ضرورة تحوّط الإنسان لعدم انزلاقه إلى الخطأ

السيد محمد باقر السيستاني (دامت بركاته)
عدد المشاهدات : 26

إنّ من الحكمة في حال وثوق الإنسان بحسن نيّته في سلوكه الحاضر، أن لا يثق بنفسه في جميع الأحوال بأنّه سوف لا ينزلق من خلال هذا السلوك، وما يستتبعه من الاستجابة من قبل الآخرين إلى موقف خاطئ، إذ ليس كلّ من وقع في سلوك خاطئ فإنّه قد تقصّده منذ بداية مسيرته، بل الحالة الغالبة هي العكس، بمعنى أنّ الإنسان من جهة فطرته النقيّة يبدأ طيّبًا مسترسلًا، ثم ينزلق تدريجيًا، فالذي يسلك سلوكًا مغريًا للآخر، لا ينوي في بداية الأمر سوءًا ولا يسعى إلى خطيئة، ولكنّه قد يتطوّر موقفه النفسي في أثر هذا السلوك وما يعقبه من مشاعر يبديها الآخرون، فتوسوس له نفسه أن يسعى إلى مزيد من الاهتمام المغري، ثم إذا تكرّرت هذه الوسوسة في نفسه ضعف في مقابلها، فهانت عزيمته، وانزلق إلى الخطأ والخطيئة بمراتبها تدريجًا. وهذا هو الحال فيمن يرتكب سائر الخطايا، مثل الاعتداءات الآثمة التي تصدر من المجرمين على الآخرين، فإنّ أحدًا لن يولد مجرمًا، بل كلّ من أجرم لاحقًا، فهو في طفولته طفل بريء، وفطير، ووديع، وطيّب، ولكنّه ينزلق إلى الخطيئة ضمن مراحل بشكل تدريجي. وقد اطّلعت بحكم عملي في الإجابة عن الأسئلة الشرعية على كثير من الحالات التي كان الفتى أو الفتاة شابًا عفيفًا، ومن عائلة عفيفة ومحافظة، ولكنّه انزلق إلى غاية لم يكن يتوقّع الانزلاق إليها في يوم من الأيام، وأعتقد أنّ الكثير من الناس يشاركني في الاطّلاع على قضايا من هذا القبيل، فالإنسان كما يتمتّع بالفطرة النقيّة والضمير الأخلاقي المنطوي على القيم الفاضلة، فأنّه يشتمل على غرائز ورغبات تمكن أن توسوس له في الخطأ الخطيئة، وهذه الوسوسة يمكن أن تنمو وترتقي إلى العزيمة، ثم تترجم العزيمة إلى السلوك الخاطئ، ويتطوّر السلوك الخاطئ إلى الخطيئة الكبرى، ثم تكبر تلك الخطيئة حتى تعتاد النفس عليها، وتمحق القيمة الفاضلة في داخلها(1). ............................ (1) رسالة المرأة في الحياة: ص67- 69.