العصمة من مؤهّلات المناصب الإلهيّة

رجاء علي البوهاني/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 4

إنّ من أعظم المناصب الإلهية وأكبرها مسؤولية هو قيادة المجتمع البشري وهدايته إلى السعادة؛ لذلك فأنّ المتصدّي لهذا الشأن يحظى بمؤهّلات وامتيازات خاصّة، منها المصونية عن الذنوب وعن مخالفة الأوامر الإلهية، وهي ما يصطلح عليه بـ(العصمة)، وتعني القوة التي تمنع المعصوم عن اقتراف المعصية والوقوع في الخطأ(1)، و(العصمة) لغةً: المنع(2)، والاعتصام هو الامتناع، والامتناع عن ارتكاب قبائح الأفعال أمر متفاوت الدرجات بين الناس، وهذا الاختلاف والتفاوت ناشئ عن حافز ذاتي عندهم وعلمهم بعاقبة الأفعال؛ لذلك نرى الفرق الكبير بين حياة المجرمين المليئة بالجرائم وقبائح الأفعال، وبين الصالحين الذين يتورّعون عن الذنوب كالسرقة، والقتل، وغيرها وإن قدّمت لهم أنواع المغريات، وما ذلك إلّا لوجود ملكة نفسانية راسخة، تمنعهم من ارتكاب القبائح. ووجود الملكة إنّما يعود إلى عاملين أساسيين، هما: أولًا: التقوى: وهي حافز ذاتي يوجد في نفس الإنسان، ويدفعه الى اتّقاء ارتكاب الأفعال المشينة، ومنشؤها إيمان خاصّ في صاحبها(3)، وبمقدار ما يكون الفرد مؤمنًا بهذه المبادئ تزداد تقواه وشدّة التزامه واجتنابه فعل ما يضدّها، فكلّما بلغ إيمان الإنسان درجات ومراتب عالية، فإنّه يبلغ درجة العصمة الكاملة التي يمتنع فيها عن ارتكاب أيّ قبيح يخالف تعاليم السماء. ثانيًا: العلم اليقيني بعاقبة المعاصي: فالعلم القطعي بعواقب الأعمال السيّئة، يخلق في الإنسان وازعًا قويًا يصدّه عن ارتكابها، وقد ذكر القرآن الكريم هذا النوع من العلم في قوله تعالى: كلّا لو تعلمون لترونّ الجحيم ثمّ لترونّها عين اليقين (التكاثر:5-7)، فهذا العلم القطعي بالعواقب الأخروية للمعاصي ورذائل الأفعال إلى الحدّ الذي لا يعتريه شكّ، يصنع من صاحبه إنسانًا مثاليًا كاملًا لا يخالف ربّه قيد أنملة، بل لا يفكّر بالمعصية مطلقًا، فبالتقوى الكاملة والعلم القطعي بعواقب الأمور، والرعاية الإلهية، والتسديد الربّاني، يمتنع صدور المعصية من المعصوم أصلًا. ................ (1) الميزان في تفسير القرآن: ج8، ص142. (2) لسان العرب: ج10، ص176. (3) بداية المعرفة: ص138.