رياض الزهراء قصص خبرية
الأربعون الحسيني: كيف تحوّلت الخدمة إلى مدرسة للإيمان والتضحية
موسم زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في أربعينه، مشهد تتلاشى فيه الحدود بين التعب والراحة، بين الدموع والابتسامة، بين العطاء والبذل، فملايين القلوب تهفو إلى كربلاء المقدّسة؛ لتجدّد العهد مع سيّد الشهداء (عليه السلام)، وهناك تبرز وجوه مضيئة صنعت من الخدمة الحسينية طريقًا للسموّ الروحي، ومن بين هذه الشخصيات السيّدة (أمّ محمّد الصافي(حرم سماحة المتولي الشرعي للعتبة العباسية المقدسة)) التي جمعت بين الحكمة والرحمة، وبين القيادة بروح المحبّة والتواضع؛ لتكون عنوانًا للأمان، ومرآةً صافية لروح التضحية الحسينية. وفي حديثها الحصري لمجلة رياض الزهراء (عليها السلام)، كشفت لنا السيّدة أمّ محمّد الصافي عن تفاصيل تجربتها؛ لتروي نبأ العطاء من الداخل مثلما عاشته بعين القلب والخدمة. "شعارنا مستمدّ من القرآن الكريم" انطلقنا من الآية الكريمة: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلوب﴾ (الحجّ:32)، فجعلناها شعارًا يرافق خطواتنا، واستشعرنا أنّ كلّ خدمة مهما كانت بسيطة فهي جزء من هذه الشعيرة، فقد أوصى الإمام الصادق (عليه السلام) الفضيل بن يسار النهدي وسائر الشيعة: "فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله مَن أحيا أمرنا"(1)، ومن هذا المنطلق كنّا نعدّ حتى الابتسامة في وجه الزائرة عبادة. "كنّا كخلية النحل" العمل كان مشهدًا مهيبًا يعبّر عن روح جماعية مدهشة، فكلّ عاملة تُكمل عمل الأخرى في لوحة متكاملة لا مكان فيها للتقاعس أو الفردية، فالجهود لم تقتصر على تقديم الطعام والمبيت والطبابة والتوجيه الديني فحسب، بل امتدّت لتشمل التنسيق مع الأخوات في الجهة الأمنية لتأمين الزائرات وحفظ متعلّقاتهنَّ. وما ميّز هذه الخدمة أنّها كانت صورة ناصعة عن كلّ الشُعب النسوية التابعة للعتبة العبّاسية المقدّسة، كلٌّ بحسب تخصّصها ومجالها، وهذا التكامل أوجد منظومة عمل أشبه بالمؤسّسة المتكاملة، يسير كلّ تفصيل فيها بانسيابية وتخطيط مسبق، وسرّ نجاحها الحقيقي أيضًا كان في الروح الإيمانية والاندفاع الحسيني الذي جمع الجميع على قلبٍ واحد. "دموع الوداع أكبر شاهد" في ختام أيام الخدمة، جرت على الوجوه دموع لا يمكن أنْ تخطئها العين: دموع تختصر حكاية العطاء بأبلغ بيان، كلّ واحدة من الأخوات كانت تتمنّى لو أنّ الساعات تطول أكثر، وأنْ تبقى الأجواء كما هي، مليئة بالروح الحسينية الدافئة، لقد كان الحزن حاضرًا بقوة، لكنّه لم يكن حزن فراق عادي، بل حزن ممزوج بالرضا والسكينة، كأنّ بركات الإمام الحسين (عليه السلام) قد غمرت القلوب، فصنعت من التعب فرحًا، ومن الفراق دموعًا ناطقة بالشوق. "التحدّيات امتحان للقلوب" في هذا العام برزت حرارة الطقس كأبرز تحدٍّ، لكنّنا صبرنا ونجحنا بفضل الله تعالى، فكلّ صعب هو فرصة للتعلّم، وكلّ ما لا يُبذل بسهولة هو امتحان حقيقي، فالنجاح الحقيقي يتمثّل في أنْ نرى الزائرة راضية، مطمئنّة، آمنة، تشعر بالراحة والسكينة في رحلتها نحو الإمام الحسين (عليه السلام). إنّ طريق الزيارة بما يمرّ به من مواقف وتجارب، يمثّل مدرسة حيّة للتربية والارتقاء الأخلاقي، فقد صُمّمت برامج توجيهية حديثة تناسب جميع الأعمار، وتساعد الشباب والأطفال على تعزيز وعيهم بالقيم النبيلة؛ ليكون سلوكهم على الطريق انعكاسًا لمبادئ الإمام الحسين (عليه السلام)، وفي خضمّ هذا كلّه، يبقى التفاؤل والغالب على الجميع محبّة الإمام الحسين (عليه السلام) التي تمنح القوة والهمّة لكلّ مَن يخطو في هذا الطريق المبارك. مع كلّ خطوة على هذا الطريق، وابتسامة زائرة تحطّ رحالها في كربلاء الحسين (عليه السلام)، ندرك أنّ الخدمة تجربة حياة تُضيء القلب وتحيي النفوس، ولحظات التعب، وأيادي العطاء، هي شهادة صامتة على أنّ محبّة سيّد الشهداء (عليه السلام) هي التي تصنع من الإنسان أفضل نسخة. ................................... (1) ميزان الحكمة: ج١، ص٣٩٩.