رياض الزهراء العدد 93 عنوان الوفاء
جَبَلُ الإِيثَارِ
علَى قارعةِ الطريقِ انتصبتْ سيّدةُ الفداءِ كجَبلٍ أشمّ عنوانُه الكِبريَاء.. جبلٌ تعانقُ هامتُهُ البَيضاءُ هالةَ القَمرِ.. لكنْ! أظنُّ قَد بانتْ عليهِ انحناءةٌ.. كأنّ صَدعاً عَميقاً هزّ صميمَهُ المكلومَ.. شقَّ سَوادَ هيكلِهَا المهيبِ ضَبابُ الفجرِ الأولِ.. أخذَتْ ترنُو بمقلتَيهَا الداميتَيْنِ صوبَ ثَنيَّاتِ الوَداعِ.. ثمّ أسدلتْ جَفنيْهَا.. حَاولتْ.. تخيَّلتْ.. تَمثَّلَ أمامَهَا بُزوغُ الفَرقدينِ ولكنْ؟! هَيهاتَ فأنَّى للسّرابِ أنْ يستشعرَ دفءَ الأحضَانِ.. خلَّفتْ وراءَهَا منازلَ الأقمارِ، وصدَى الذكرياتِ المهجورةِ ينهشُ أركانَهَا.. فلا لُيوثَ بعدُ تحرسُهَا، ولا أبراجَ تُنيرُ لياليهَا.. يا وفاءً أسهدتْهُ دوامسُ الانتظارِ الرّهيبِ.. قالتْ وجمرُ الشوقِ يسعرُ في حشاشتِهَا.. كأنّكِ غريبةٌ عنّي اليومَ يا سمائِي! وأمسَى وشاحُكِ كما لونُ وشاحِي.. كسفَتْ سُحبُ المُصابِ شَمسي فهَوى ضياؤُها.. غَدراً، فهوتْ بإثرِها الأنجمُ الزُّهرُ والقَمرُ.. ولكنْ كحمَى السِّياطِ جاءَ صوتُ النّاعي.. ينخرُ دارَ الانتظارِ كريحٍ صَرصرٍ عاتِية.. يدعُوها كي تودِّعَ لقبَ البنينَ، وتنقشَ في الفؤادِ شَاهداً باسمِ الحُسين (عليه السلام).. وراحت تتلو من أعماق لوعتها آيات الآهات الدموع.. وتنثرُ على أطلالِ أسوارِهَا المنيعِة رَمادَ الأملِ المَنكوبِ.. سيِّدتِي يا امرأةً أذهلتْ مقاييسَ الإيثارِ.. وعبرتْ بوفائِهَا الأزمانَ.. كَفى بكِ فَخراً إذ توسَّمتِ شرفَ الفداءِ.. وأمسيتِ عزيزةَ سيّدةِ النّساءِ.. يا مقصداً لمَن يَرجو شفاعةَ الإلهِ العظيمِ.. سيبقَى اسمُك عَلماً ومَعيناً دافقاً لا ينضُبُ..