هو الله الحي القيوم

رجاء علي البوهاني/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 13

إن الحياة كمال في الموجود، وبما أن الباري تعالى هو واجب الوجود، فلابد من أن تتصف ذاته بالحياة، وذلك لأن واجب الوجود لابد من أن تكون ذاته مستجمعة لكل الكمالات، لا يشذ عنها شيء، وقد وصف الله تعالى نفسه بالحياة، فقال: (الله لا إلٰه إلا هو الحي القيوم) (البقرة:255)، وقوله تعالى: (وتوكل على الحي الذي لا يموت) (الفرقان:58) وقد وصف المعصومون (عليهم السلام) رب العالمين بهذه الصفة في رواياتهم الشريفة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: "إن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره، نورًا لا ظلام فيه، وصادقًا لا كذب فيه، وحيا لا موت فيه، وكذلك هو اليوم، وكذلك لا يزال أبدًا"(1). ولكن إطلاق اسم (الحي) عليه سبحانه، يتوقف على فهم معنى الحياة بحسب الإمكان، ومعنى الحياة في واجب الوجود، فالحياة وإن كانت من أوضح الصفات، لكنها من أعسر المفاهيم تفسيرًا وتعريفًا. إن مفهوم الحياة يستعمل في مجموعتين من المخلوقات:أولًا: النباتات، إذ تتميز بالنمو والتكاثر، وتملك مقدارًا من الشعور، والثانية: الإنسان والحيوانات، إذ يمتلكان إضافة إلى النمو والتكاثر، الحركة وردة الفعل، إذ إنهما يتميزان بالشعور والإرادة. والمعنى الأول لا يمكن تصوره في حق الله تعالى؛ لأنه يستلزم النقص والاحتياج؛ لأن طبيعة النمو والتكاثر تفرض أن يكون الشيء فاقدًا لكمال ما في بداية وجوده، ثم نتيجة لعوامل معينة يحصل على كمال جديد لم يكن يمتلكه، وأما المعنى الثاني، فهو مفهوم كمالي يقترن ببعض المصاديق من الممكنات، أي للإنسان والحيوان بعض النقائص، أو التحديد، أو الاحتياج، ويمكن تصور مرتبة لا متناهية ليس فيها نقص أو تحديد أو احتياج، فالحي هو الدراك الفعال، والحياة مبدأ الإدراك، والفعل مبدأ العلم والقدرة، أو أمر يلازمه العلم والقدرة(2)، وإذا كنا نتصف بالحياة، فصفة العلم والقدرة فينا زائدتان عن ذواتنا، ويمكن سلبهما عنا، لكنهما في الذات الإلهية عين الذات، فالله تعالى حي بالذات، وهو مفيض الحياة على كل حي، فتبارك الله الحي الذي لا يموت. ................... (1) التوحيد للصدوق: ص141. (2) بداية الحكمة: ص 210