ضرورة انتباه الإنسان إلى اللغة الطبيعية والعرفية لسلوكياته الاجتماعية

السيد محمد باقر السيستاني (دامت بركاته)
عدد المشاهدات : 12

ينبغي أن لا يقصر الإنسان النظر في ممارساته الاجتماعية على نواياه، بل ينبغي أن ينظر إلى الدلالات الطبيعية والعرفية والاجتماعية لتلك الممارسات، وذلك أن جملة من سلوكيات المرأة والرجل عند الاجتماع، غير اللغة التي يتقصدها المرء، والرسائل التي يريد إيصالها إلى الغير إرادة مقصودة، لها لغتان أخريان: إحداهما: لغة غرائزية طبيعية تتعلق بالعلاقة بين الغرائز الإنسانية الداخلية وبين السلوك الإنساني الظاهر، فإن هذه العلاقة تمثل الرغبات الغريزية بشكل ما في السلوك الظاهري الملائم، كاستجابة طبيعية لها، كما يكون تلقيها ووقعها في نفس الطرف الآخر كاستجابة طبيعية غريزية أيضًا، ولا شك -من منطلق علم النفس- أن الدوافع الكامنة لجملة من السلوكيات بحسب العقل الباطن إنما هي مقدمة للتوصل إلى الاستجابة للغريزة، فالاندفاع إلى الزينة –مثلًا- في لا شعور الإنسان جزء مما طبع عليه الإنسان من سلوكيات الإغراء التي تنتهي إلى غايات التزاوج والتكاثر، كما نجد مثل ذلك في الحيوانات، وتلك من جملة سنن الطبيعة وغاياتها، كما يبين ذلك في علم الأحياء وفي بعض الفروع التطبيقية لعلم النفس المعاصر. والأخرى: لغة عرفية اجتماعية تنشأ عن العلاقة الحادثة بين الغرائز وبين سلوكيات محددة من خلال الاعتياد والعرف الأسري والاجتماعي، فإن كل مجتمع بطبيعته يشتمل على سلوكيات سائدة في مقام الاندفاع إلى غايات محددة، ومن جملتها سلوكيات تمثل أسلوب الاستجابة للغريزة أو الممانعة منها، وهذه السلوكيات تمثل أدوات للتعبير عن الدوافع لدى من نشأ عليها، ويكون حالها حال اللغة تمامًا، إلا أنها ألصق بالدوافع من اللغة، وليست هذه الأدوات بالتي يمكن تحويرها بشكل قصدي ومفاجئ؛ لأنها ترتبط من خلال النشأة بالغرائز والدواعي الكامنة في العقل الباطن ارتباطًا عميقًا، ولا يمكن فك هذا الارتباط إلا من خلال عمليات تربوية تدريجية وطويلة وشاقة، كما أن المجتمع المتربي وفق تلك الأعراف سوف يتلقى تلك السلوكيات بحسبها لا محالة، ومن ثم تكون ممارستها من دون قصد معانيها موجبة لمحاذير اجتماعية فيها، من قبيل اختلال العفاف الاجتماعي، ومن ثم فإن علينا عندما نكون في محضر اجتماعي أن ننسق بين نوايانا وبين أفعالنا، فمن لم يحسن التعبير عن نواياه من خلال أفعاله وسلوكياته فإنه يمثل عن نفسه انطباعًا خاطئًا، ويجد استجابة مناسبة لهذا الانطباع، كمن ينوي شيئًا ولكنه يعبر من جهة الانفعال مثلًا بتعبير يعطي غير ما ينويه، فيؤدي إلى سوء الظن به ويتسبب بردود أفعال ملائمة للتعبير بدون النية. إن الناس إنما يقفون على مقاصدنا ونوايانا عن طريق أفعالنا وسلوكياتنا وطبيعة تأثيراتها فيمن حولنا، فعلينا أن ننسق بين نوايانا وأفعالنا عن طريق ملاحظة طبيعة الاستجابة التي تترتب عليها لدى الآخرين(1). ................. (1) رسالة المرأة في الحياة: ص69- 72.