(ويعلمهم الكتاب والحكمة)

منى إبراهيم الشيخ/ البحرين
عدد المشاهدات : 94

يحتفل المسلمون في أنحاء العالم بذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وآله) في شهر ربيع الأول، ذلك الحدث الذي غير مسار البشرية، وكتب تاريخًا جديدًا. فبهذه الولادة الميمونة استجاب الله تعالى دعاء أبي الأنبياء إبراهيم (عليه السلام) عند بنائه الكعبة المشرفة: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم) (البقرة:127)، إذ سأل نبي الله إبراهيم (عليه السلام) الله (عز وجل) أن يتقبل عمله وعمل ابنه إسماعيل (عليه السلام)، ثم تضرعا إلى الله تعالى بأن يبعث من ذريتهما رسولًا إلى قومه: (ربنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم) (البقرة:129)، فتحققت هذه الدعوة بعد قرون بولادة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) المباركة، إذ انبثق نوره في مكة المكرمة، وعم الأرجاء. فهذه الولادة انتشلت الناس من براثن الجهل والضلالة، وأنقذتهم من الخرافات الجاهلية، وقد قام رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) بتزكية الناس وتعليمهم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور عن طريق أمرين: الأول نظري، والثاني عملي، فكان (صلى الله عليه وآله) حريصًا على تعليم الناس وتربيتهم وتزكيتهم، وكان يخاطبهم على حسب مستوياتهم وعقولهم بلغة سهلة واضحة من دون تعقيد، فعنه (صلى الله عليه وآله): "إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم"(1)؛ لأن الهدف هو هداية الناس وإرشادهم، ولم يكتف (صلى الله عليه وآله) بذلك حتى أخذ بالأسلوب الثاني وهو الحكمة، أي لم يكن التعليم مجرد تلقين بحت، بل لتعزيز فهم معاني القرآن الكريم وإدراكها، والحكمة وسيلة أخرى، فهي التطبيق العملي للعلم، (فإن الحكمة هي العلم الذي يعمل عليه فيما يجتبى، أو يجتنب من أمور الدين والدنيا)(2)، وقيل: (الحكمة: تحقيق العلم وإتقان العمل، وقيل: ما يمنع من الجهل)(3). فالآية المباركة: (ويعلمهم الكتاب والحكمة) تلخص رسالة الإسلام الشاملة التي تجمع بين العلم النافع، والعمل الصالح، وهي تذكير للمسلمين بالسير على نهج النبي (صلى الله عليه وآله) في التعلم والتعليم؛ لتحقيق التوازن بين النص الشرعي وفهم جوهره. ......................................... (1) الكافي: ج1، ص23. (2) مجمع البيان: ج10، ص7. (3) بحار الأنوار: ج1، ص215.