ليلة الفداء وبداية الهجرة الكبرى

رملة ساهي الخزاعي/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 9

تعد هجرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومبيت الإمام علي (عليه السلام) في فراشه حدثًا مهمًا في التاريخ الإسلامي، وله دلالات عميقة تجسد الكثير من المفاهيم الإسلامية التي أراد النبي (صلوات الله عليه) أن تظهر للمسلمين في شخص أمير المؤمنين (عليه السلام)، فدعا النبي (صلى الله عليه واله) أمير المؤمنين (عليه السلام) وأخبره بخطة قريش لقتله، وبأمر الله تعالى بالهجرة إلى المدينة المنورة، ثم طلب من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يبيت في فراشه؛ ليخفي أثره، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم"(1)، فنزلت الآية الكريمة: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوفٌ بالعباد) (البقرة:207)، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) من داره في أول الليل، ورمى بتراب على رؤوس المشركين، فما شعروا به حتى تجاوزهم ومضى في طريقه، واقتحمت قريش دار النبي (صلى الله عليه وآله) فنهض الإمام علي (عليه السلام) من مضجعه، فارتعد القوم وتراجعوا، ولما علمت قريش بفشل خطتهم، خرجوا في طلب النبي (صلوات الله عليه)، فأخفى الله سبحانه أثره. لقد تحمل النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) الكثير من المشاق والمخاطر في سبيل الدعوة، ولقد تجلى الوفاء والولاء بأكمل صوره عند أمير المؤمنين (عليه السلام)، مثلما تجلى الفداء بالنفس بأفضل الصور امتثالًا لأمر الله تعالى، فارتداء الإمام علي (عليه السلام) ملابس النبي (صلوات الله عليه) والمبيت في فراشه يبين عمق الارتباط بين النبوة والإمامة، بل تجسد معنى أعمق، ألا وهو أن أمير المؤمنين (عليه السلام) هو نفس النبي (صلى الله عليه وآله)، بخاصة أنه (عليه السلام) أدى جميع المهام التي أوكلها النبي (صلوات الله عليه) إليه، من إرجاع الأمانات إلى أهلها، وغيرها من الشؤون الاجتماعية، فنفذ جميع ما طلب منه النبي (صلوات الله عليه) على أتم وجه، ثم هاجر (عليه السلام) إلى المدينة المنورة بشكل علني أمام قريش متحديًا المخاطر والمصاعب ومخططاتهم آنذاك. ولنا في رسول الله ووصيه (عليهما السلام) أسوة حسنة، فلم يخش أمير المؤمنين (عليه السلام) القتل، بل وطن نفسه للفداء والتضحية في سبيل الله تعالى، فحري بالمؤمنين أن يثقوا به سبحانه، فالإرادة الإلهية فوق كل المخططات: ﴿ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين﴾ (آل عمران:54). ............................... (1) بحار الأنوار: ج19، ص60.