انطَلقَتْ الحَياةُ الإنسَانِيَّةُ مِن مَوضِعِ رُسوِّ سَفِينَةِ نُوح

بشرى عبد الجبار
عدد المشاهدات : 340

لقد أعطى الله(عزّ وجل) أهمية خاصة لمدينة النجف؛ لتكون بإذنه مرسىً لسفينة النبيّ نوح(عليه السلام) بعد انتهاء الطوفان، ولتكون آية للناس، ومُنزلاً لدعوة النبوّة (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)/ (المؤمنون:29). من هذا المكان انطلقت الحياة الإنسانية بقيادة النبيّ نوح(عليه السلام) حين رست سفينته على تلك البقعة المباركة بعد الطوفان، فكان الخليفة لمَن سبقوه، ومؤسس القواعد لمَن خلفوه. إنّ هذه الحقيقة سجلها التاريخ لمدينة النجف الأشرف وذكرها القرآن حين قال: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)/ (هود:44)، وقد فسر الإمام الصادق(عليه السلام) جبل الجوديّ بفرات الكوفة، وكذلك أُكد هذا الاسم بالوثائق المسمارية، وكان هذا في العهد البابلي الحديث. من هذه النقطة انطلق النبي(عليه السلام) في عمارته لأرض الكوفة، ثم قام ببناء مسجدها، ثم اتسع ليصل إلى ظهر كلّ الكوفة وهضبتها التي يحدّها من الشرق الفرات، ومن الغرب بحر، ومن الجنوب ملتقى مياه بحر النجف مع نهر الفرات الواسع المتصل بنهر دجلة. لقد كانت تلك الهضبة تشكّل قبل جفافها أجمل ساحل حضاري وديني شهدته الدنيا، وهو العراق الذي كان عامراً بالحياة الطيبة والعلم النافع وعبادة الله(عزّ وجل) على طريقة نبيّه نوح(عليه السلام)، لقد أثبتت الدراسات أن النجف هو الموضع الذي استوت عليه السفينة بعد الطوفان، فكانت الكوفة أول مدينة استقرّ فيها النبيّ نوح(عليه السلام)، وهذا ما رُوي عن أهل البيت(عليهم السلام) إذ إن رواية الإمام الصادق(عليه السلام) قبل اكتشاف الوثائق المسمارية بـ (1300) سنة تؤكد أن كربلاء والنجف هي موضع استقرار السفينة، فعن أبي عبد الله(عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام)قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): "يقبر ابني بأرض يُقال لها: كربلاء، هي البقعة التي كانت فيها قبة الإسلام، التي نجّى الله عليها المؤمنين الذين آمنوا مع نوح(عليه السلام) في الطوفان"(1)، ومن الواضح أن الرواية تُسمّي النجف والكوفة باسم كربلاء، فقوله البقعة أي الموضع، وقوله قبة الإسلام تعني المركز أو الرأس والمدار، وهي المكان الذي تُدار فيه أمور المجتمع الإسلامي، إذ إن جبل رسوّ السفينة أصبح لمدة ليست بالقليلة مركز الحياة الإسلامية الجديدة، ثم امتدت التسمية لتشمل البقعة كلّها.. في التراث الشيعي أن النجف مثوى آدم ونوح كما هو مثوى للإمام علي(عليه السلام). كانت أجواء النجف بعد الطوفان تشبه أجواء البحر المتوسط، ثم جفت المياه وهاجر كثيرٌ من أهلها إلى الجزيرة العربية وسوريا، ولمّا ظهرت الأرض الرسوبية من جديد شرق الفرات، صارت مركزاً للحياة. إنّ النّاجين في تلك السفينة عاشوا بعد الطوفان، وكانوا يُسَمَّون (الكلدانيين) وتعني (الباقين) والناجون من ذرية نبي الله نوح (عليه السلام)ومَن معه من المؤمنين، أمّا السومريون والآشوريون والبابليون هم امتداد لأولئك الناجون الذين حملوا تراث النبيّ نوح(عليه السلام)، ولكنهم حرّفوه وضيعوا معالمهم. أكّد بعض الباحثين أنّ السفينة رست على جبل يُدعى (اراراط)، وهناك روايات أُخر تؤكد أنها رست على جبل (قردو) في كردستان العراق، وهذا حسب روايات شهود عيان ولم تكن ذات جدوى في تحديد موضع السفينة، فكثيراً ما كانت متناقضة، علماً أنّ تلك الروايات رواها طيارون ذو سمعة حسنة، ولكن الآخرين يعلّلون تلك المشاهدات بحقيقة، وهي أنّ الجبل يحتوي على عدد وافر من كتل البازلت الضخمة والتي تبدو عند النظر إليها وكأنها بارجة سفينة هائلة، فلو تساءل بعضهم عن الجبل نفسه هل هو حديث التكوين – أي تشكّل بعد الطوفان -؟ فلا يوجد ما يدلّ على أن الجبل كان تحت الماء، فلو كانت السفينة قد رست عليه، فلماذا لا يوجد هناك آثار للفيضانات والترسبات والأحافير؟ لذا لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية. ........................ (1)مستدرك الوسائل، ج10، ص238.