سيد البطحاء

هاشمية لفتة عبد/ بغداد
عدد المشاهدات : 6

بعيدًا عن صخب مكة وحجارتها الحارقة، بين ربوع يثرب الخضراء، تضع (سلمى بنت عمرو النجارية) طفلها ذا الوجه الصبوح الذي سمته (شيبة الحمد) لظهور شيبة أضاءت جبينه منذ الولادة، وقد علمت ما كان قد قدر الله تعالى لوليدها المبارك، وأنه ذات يوم سيصبح سيد مكة، ويسجل اسمه في صفحات التأريخ بحروف من نور. (شيبة الحمد) هو عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان(1) . توفي والده (هاشم) قبل ولادته، فولد وعاش في كنف أخواله (بني النجار) حتى بلغ السابعة من عمره، ثم عاد به عمه (المطلب بن عبد مناف) إلى مكة، فأخبر الناس أنه عبدٌ له خوفًا من انكشاف أمره، إذ كان يحمل نورًا يستدل به، حتى أن اليهود ظنوا أنه هو نبي آخر الزمان، أو عرفوا أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) من ولده، فلاحقوه(2)، وما كان ذلك النور إلا نور سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وآله). كان (شيبة الحمد) على ملة أبيه إبراهيم (عليه السلام)، وأشبهت نشأته من حيث اليتم والتبجيل في الصغر، ورعاية عمه المطلب له نشأة سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وآله) ورعاية عمه أبي طالب (عليه السلام). قام عبد المطلب (عليه السلام) بعدة مهام عظيمة، منها حفر بئر (زمزم) وإعادته إلى الحياة بعد اندثاره لعدة قرون، ثم مواجهته الخالدة لـ(أبرهة الحبشي) التي مثلت درسًا بليغًا في التوكل على الله تعالى، وحسن الظن به عندما قال مقولته الشهيرة: "أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه"(3)، وتسابقت إليه الألقاب لترافق شخصيته الاستثنائية، فلقب بـ(الفياض) لشدة كرمه، فهو لم يكتف بسقاية الناس والحيوانات وإطعامهم في مواسم الحج فحسب، بل كان يطعم الطير والوحوش في الجبال. وأما عن سائر مناقبه، فقد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:"والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنمًا قط، قيل وماكانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم (عليه السلام) متمسكين به"(4). نشأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كنف جده، فأحاطه بأسمى معاني العطف والحنان الأبوي، فكان يجلس النبي (صلى الله عليه وآله) على فراشه الخاص، ويربت على ظهره، ويقول: "دعوا ابني، فإن له شأنًا"(5)، ولما أحس بدنو أجله، أوكل إلى ولده أبي طالب (عليه السلام) مهمة حماية الأمانة المقدسة، فكان خير مؤتمن، وحين توفي عبد المطلب (عليه السلام)، بكاه النبي (صلى الله عليه وآله). مات عبد المطلب (عليه السلام) جسدًا، فسننه بقيت حية، فهو أهم أساطين التوحيد في زمان كان يموج بالشرك والوثنية، حافظ على نهج إبراهيم الخليل (عليه السلام)، وخلد اسمه بخلود الإسلام. ................................................. (1) الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): ج2، ص63. (2) بحار الأنوار: ج15، ص61ـ 60. (3) المصدر نفسه: ج15، ص140. (4) المصدر نفسه: ج15، ص144. (5) كمال الدين وتمام النعمة: ج1، ص201.