سامراء...شهقة الحزن وذاكرة الوداع

زبيدة طارق الكناني/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 126

سامراء! يا زهرة النور التي تاهت في صمت الجراح، كم عانقت جدرانك أنفاس الولاية، وسجد التراب تحت خطى الطاهرين. هنا كان الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان النور يشق العتمة بأنين دعائه، وكان وجهه بوابة الصبح كلما ضاق الزمان. يا سامراء! كيف احتملت رحيله؟ أنت التي كنت تحتضنين النور، كيف صرت مهد الفقد؟ كيف أصبحت تلفين جدائلك على جدران الذكرى؟ وتضمدين جرح الروح برماد الغياب؟ تبكين سكون المقام، تسبحين لله تعالى وجعًا على رحيل العسكري (عليه السلام)، ذلك المقدس الذي مس ترابك فصارت طاهرة. كل زاوية فيك تنشد ألمًا، كل حجر يروي حكاية وداع حارق، وكل ضوء انكسر في عينيك يوم سكن الإمام (عليه السلام) دار الغياب. كانوا هنا.. وكان الصمت نشيدًا في حضرة الإمام (عليه السلام)، وكانت الخطى تسبيحة، وكان الليل يتوضأ من دموع الغرباء القادمين من أقصى الشوق.. لكنهم رحلوا.. ورحل الإمام.. وبقيت أنت يا سامراء.. ترتجفين من برد الوحدة، تخفين دمعك في قناديل الروح، تسألين: هل من زائر يعيد للروح دفء الولاية؟ هنا.. المحراب ما يزال يردد أنفاسه، والزيتونة العتيقة عند الباب تقرأ الفاتحة على ظله، والمآذن تشهق بالحزن مع كل أذان. كم ترتجف فيك الأرصفة، كأنها لا تصدق أن النور قد غادر، وأن العلم سجن في صمت القبور.. دعي للحزن بقية.. للعطر الذي خبأه في زواياك، للظلال التي تحرس قبره، لدمعة المحب التي تنبض فيك كلما قالوا: كان الإمام هنا.. وما كان باقيًا في تنهيدة المآذن، في تفاصيل الضريح، في تسبيحة الشوق على شرفة الانتظار، في كل قلب نذر حبه للإمام.. فيا سامراء، كوني قنديلًا لا ينطفئ، ومساحة دعاءٍ لا تهدأ، وكوني لنا ذاكرةً لا تشيخ.. فالنور لا يموت، والإمام لا يغيبه الموت، بل يعيش فينا نشيد الوفاء، وحنين الغياب، وأمل الرجوع.