رياض الزهراء العدد 222 بريد القراء
النظافة بين الأوامر الإلهية والوصايا النبوية
أولًا، وقبل كل شيء، ينبغي أن ندرك أن النظافة التي دعا إليها الدين الإسلامي ليست مجرد نظافة حسية، بل تتصل بمفهوم أعم وأشمل، ألا وهو الطهارة، فالطهارة في الإسلام تشمل الجسد والثياب، مثلما تشمل القلوب والنوايا والأفكار، فما جدوى أن تكون ثيابنا لامعة ومعطرة، في حين أن نوايانا مغبرة، وأفكارنا مثقلة بالشوائب؟ إن العمل على كلا الجانبين: الظاهر والباطن، أمرٌ ضروري ولازم، فالنظافة الظاهرية ليست مجرد تحسين للصورة الخارجية، بل لها أبعاد أخرى تتعلق بالصحة والوقاية، كتجنب الأمراض المعدية التي قد يسببها الإهمال، إلا أن الطهارة الحقيقية في جوهرها تبدأ من الداخل، من صفاء السريرة، وصدق النية، ونقاء القلب، وقد جاءت الأوامر الإلهية لتؤكد هذا المعنى العميق، إذ وردت العديد من الآيات الكريمة الصريحة في دلالتها، الواضحة في خطابها، كقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (المائدة:6)، فالآية الكريمة توضح أهمية الطهارة في الإسلام، وأنها شرط في صحة الصلاة، وغيرها من العبادات. مفهوم الطهارة والهدف الروحي إن الطهارة عند العلامة الطباطبائي (قدس) تحمل معنىً وجوديًا وروحيًا، لا ظاهريًا فقط، فهي صفة مرغوبة في الأفعال والأعضاء، تناقض النجاسة التي تسبب النفور، وتشبه الطهارة بالنزاهة الداخلية، وهدفها تطهير النفس مثلما يطهر الجسم. إن العلاقة بين أقسام العبادة في القرآن الكريم، كالطهارة، والصلاة، والصوم، وغيرها، موصوفة بأنها امتداد لنعمة الله تعالى، وغاية تشريعية تهدف إلى التزكية وتنقية النفس والعقل(1). وقد تكررت كلمة (الطهارة) في القرآن الكريم في مواضع متعددة، مما يدل على أهمية النظافة في حياة المؤمن، فهي جزء من الإيمان، وهناك آيات عديدة تتحدث عن طهارة الظاهر، وقد وردت أخرى تؤكد طهارة الباطن، كقوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (البقرة:222)، فصيغة المبالغة في (التوابين) تدل على كثرة التوبة والتطهر من حيث النوع والعدد(2)، فالآية تدل على أن الله يحب عباده الذين يرجعون إليه ويتوبون من ذنوبهم، ويتطهرون من المعاصي والأنجاس، سواء كانت حسية أو معنوية، ويحب تكرار ذلك منهم. وأما في الوصايا النبوية، فقد وردت أحاديث كثيرة تظهر بوضوح مدى عناية النبي (صلى الله عليه وآله) بالنظافة، وحرصه على أن تكون سلوكًا يوميًا للمسلم، فعنه (صلى الله عليه وآله): "تنظفوا بكل ما استطعتم، فإن الله بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنة إلا كل نظيف"(3)، فهذا الحديث الشريف لا يترك مجالًا للشك في أن النظافة ليست مجرد سلوك اجتماعي مستحب، بل هي جزء من بنية الإسلام، وشرط من شروط القرب من الله تعالى، وبلوغ الجنة. إن النظافة في الإسلام ليست عادة، بل عبادة تعكس نقاء الروح بقدر ما تظهر حسن المظهر. ........................... (1) بتصرف: تفسير الميزان: ج5، ص 219 –221 . (2) بتصرف: المصدر نفسه: ج 2، ص 212. (3) ميزان الحكمة: ج4، ص3303.