رياض الزهراء العدد 222 في ضيافة الرياض
إيمان الصفار: سيدة البذور التي أعادت للزراعة في العراق بريقها
هناك بعض المبادرات التي يقوم بها الأفراد في ظل تحديات الأمن الغذائي وتقلبات المناخ، فتترك أثرًا لا ينسى في مسار التنمية المستدامة في العراق، ومع واقع التصحر الحالي، استطاعت المهندسة الزراعية السيدة (إيمان الصفار) أن تحول شغفها بالبذور النادرة إلى مشروع رائد، يمزج بين العلم، والإرادة، والإبداع، فيقدم أنموذجًا ملهمًا في الزراعة الحديثة، وفي هذا اللقاء الخاص، تفتح السيدة (إيمان) قلبها لمجلة رياض الزهراء (عليها السلام)، وتحدثنا عن رحلتها، وطموحاتها، والتحديات التي واجهتها منذ انطلاق مشروعها في العام (2016م) حتى اليوم، فتحول من شغف شخصي إلى مشروع وطني، إذ كان حلمها هو أن تصبح بيئة العراق غنية بأنواع نباتية مختلفة، فتقول: "بدأت رحلتي بشغف حقيقي، وكان حلمي أن أرى أرض العراق غنية بأنواع نباتية غير مألوفة، ومع تراجع الثقافة الزراعية، قررت أن أجلب بذورًا نادرة، كالطماطم الكمثرية الصفراء والقنبيط الرومانيسكو، وأعمل على تكييفها مع مناخ بلدنا، أردت أن أفتح بابًا جديدًا أمام المزارعين للهروب من الزراعة التقليدية إلى الزراعة المستدامة". وتشدد (الصفار) على أهمية حماية البذور النادرة، مؤكدةً أن بعض الدول تقيد تصديرها خوفًا من انقراضها، أو تواجه منافسة في الأسواق، مثلما أن البذور النادرة تعد أملًا اقتصاديًا وبيئيًا، فهي تمثل ثروة استراتيجية قد تغير خريطة الزراعة في العراق، وتضيف (الصفار): "إن الاهتمام بهذه البذور لا يفتح آفاقًا استثماريةً فحسب، بل يمنح العراق فرصةً ليكون حاضرًا بقوة في سوق الزراعة المتطورة، ويمكن أن تصبح بعض هذه الأصناف مصدر دخل عن طريق تصديرها بوصفها منتجات فريدة". تحدثت (الصفار) عن جهودها في الحفاظ على البذور النادرة المهددة بالانقراض، تحديدًا الطماطم الكرزية السوداء، التي أثبتت قدرتها على التكيف مع البيئة العراقية، وأكدت أن الطماطم الكرزية السوداء إحدى أصناف البذور المهددة بالانقراض، لكن نجاحها في العراق أثبت أهميتها، وقد واجهت صعوبات كبيرة في التخزين والتغليف، فكل صنف يحتاج إلى ظروف خاصة للحفاظ على صلاحيته، إضافة إلى التكاليف العالية والجهد البدني المبذول، وهو ما يصعب تعميمه من دون وجود دعم حقيقي. قدمت (الصفار) حلولًا إبداعية بتكلفة رمزية، تدعى (مغلفات البذور الصغيرة) التي تفتح باب الزراعة أمام الجميع لمواجهة عزوف المزارعين عن تجربة البذور المستوردة بسبب كلفتها، فابتكرت (الصفار) فكرة مغلفات صغيرة للبذور، تباع بأسعار رمزية، عبارة عن (1500–2000) د.ع، وتؤكد قائلةً: "أرفقت بهذه المغلفات تعليمات مبسطة باللغة العربية تناسب الهواة والمحترفين، لتكون الزراعة في متناول الجميع، وليخوض الناس تجربة حقيقية بتكلفة بسيطة". قامت (إيمان الصفار) بتأسيس (مركز أهل البيت -عليهم السلام- للبذور النادرة)، وهو ثمرة جهود سنوات، إذ عبرت عن شغفها في هذا المركز، قائلةً: "المركز ليس مجرد نقطة بيع، بل مساحة تواصل، ودعم، وتجريب؛ ليكون منصة لتبادل المعرفة والتجارب الزراعية، مثلما عملت على بناء علاقة ثقة مع الزبائن عبر الرد على استفساراتهم، وتقديم العينات بشكل مجاني، واستثمار مواقع التواصل لنشر نتائج التجارب الزراعية، ومع الوقت أصبح لدينا جمهور واسع من المهتمين والمتخصصين". التكنولوجيا حليف لا غنى عنه: تؤمن (الصفار) بدور التكنولوجيا في دعم مشروعها، وتقول: "إن الإنترنت والتعاون مع الجهات الرسمية ساعداني على تخطي العقبات، فاعتمدت على الإنترنت في البحث عن خصائص البذور، والتواصل مع خبراء من خارج العراق، مثلما أن التعاون مع مديرية الزراعة وكلية زراعة كربلاء ساعدني على المضي قدمًا، بخاصة أن المشروع يحمل طابعًا إرشاديًا وتطويريًا". بين التشكيك والنجاح: تذكر (الصفار) بدايات مشروعها حين قوبلت فكرتها بالرفض والاستهزاء من قبل بعض المتخصصين الذين قالوا: (إنها فكرة وهمية)، لكنها اليوم أصبحت واقعًا ملموسًا، وفي البداية عد بعضهم مشروعها ربحيًا لا غير، لكنها أثبتت نجاحه في الحقيقة، فتحول الكثير من المشككين إلى داعمين ومجربين فعليين". طموح لا حدود له: تختم (الصفار) حديثها بأمنية كبيرة: "أحلم بشركة عراقية رائدة في تصدير البذور، وحقول ومختبرات تحمل اسم بلدي، أطمح إلى تحويل مشروعي إلى شركة استيراد وتصدير متخصصة بالبذور النادرة، تمتلك مختبرات وحقولًا بحثية، تضع العراق على خارطة الدول الزراعية المتقدمة، فبلدنا بلد عريق، وأرضنا قادرة على العطاء، نحتاج فقط إلى الإيمان والرؤية". وفي كلمة أخيرة من سيدة البذور: "لا تخافوا من زراعة الأمل، فالتغيير يبدأ من بذرة صغيرة".