رياض الزهراء العدد 222 رؤية إعلامية
هل هواتفنا تراقبنا؟
هل تشعرين أنك مراقبة من أحدهم؟ هل تشعرين أن هاتفك يشعر بما تفكرين به؟ هل هناك مستشعرات في أجهزة الموبايل تقرأ أفكارك وتتنبأ برغباتك؟ الكثير منا عندما يتصفح جواله، فسيجد إعلانات ممولة تطابق ما يفكر به، أو تحدث عنه مع قريب له، كشراء ماركة معينة من الألبسة، أو غيرها من الأشياء، فيجد كمًا هائلًا من العروض والإعلانات الترويجية على شاشة جواله، فهناك مستشعرات عديدة في أجهزتنا اللوحية، وهي عبارة عن شريحة إلكترونية تتأثر بالحوافز المادية، ولكل مستشعر وظيفة معينة، فلولا تلك المستشعرات لما كانت هواتفنا ذكية، إذ أصبح الهاتف الذكي الرفيق الأقرب إلينا، مطلعًا على تفاصيل حياتنا، يعلم أسرارنا وما نتحدث به مع أقرب الأصدقاء والمقربين، حتى أنه يحسب عدد خطواتنا، ويراقب ضربات قلوبنا، وغيرها. أما منصات التواصل الاجتماعي، فهي أيضًا قادرة على التنبؤ بحركاتنا المستقبلية، وذلك اعتمادًا على سلوكنا في أثناء تصفح المنصة. إن الظاهرة التي تعرف بـ(التزامن الغامض)(1) المسؤولة عن ظهور الأفكار على سطح الهاتف عند التفكير بها، يمكن ذكر عدة أسباب لها: أولًا: التعقب الرقمي للخوارزميات المتطورة التي تجمع بيانات مفصلة عن سلوك المستخدمين، بما في ذلك تاريخ التصفح، والتفاعلات على شبكات التواصل الاجتماعي، حتى الموقع الجغرافي، ومن ثم تتنبأ بالمحتوى الذي يفكر به المستخدم، والتي تعكس اهتماماته وتفضيلاته، مما يؤدي إلى ظهور إعلان ممول، يستهدف المستخدم، فيبدو كأنه يقرأ أفكاره. ثانيًا: مستشعرات الصوت الخفية، إذ يعتقد الكثير من الخبراء أن بعض التطبيقات التي نمنحها صلاحية الوصول إلى الـ(ميكروفون)، تقوم أحيانًا بتحليل المحادثات الصوتية، حتى وإن لم تكن هناك مكالمة نشطة. ثالثًا: الذاكرة البصرية، ففي بعض الأحيان ما تظنينه مجرد تفكير، قد يكون انعكاسًا لسلوك رقمي سابق، قمت به من دون أن تنتبهي لذلك، فربما مررت يومًا مرورًا سريعًا على منشور عن منتج معين، أو شاهدت فيديو لبضع ثوانٍ فقط، فقامت خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل ذلك، وربطه ببياناتك السابقة، ومن ثم أعادت تقديم المنتج إليك على شكل إعلان، مما عزز لديك الشعور بأن هاتفك يقرأ أفكارك، بينما في الحقيقة هو قد قرأ سلوكك اللاواعي. رابعًا: علم النفس الرقمي والارتباط الانفعالي: إذ تشير بعض النظريات إلى أننا بوصفنا بشرًا، نميل إلى ملاحظة الأمور التي نفكر بها أو نرغب فيها، وهو ما يعرف بـ(التحيز التأكيدي)*، فإذا كنت على سبيل المثال تفكرين بشراء هاتف جديد، فإن وعيك سيبدأ بتصفية المعلومات المحيطة بك تلقائيًا؛ ليركز على كل ما له علاقة بالهواتف، مما يجعلك تظنين أن هذه المعلومات تأتيك فجأةً، بينما أنت الذي بدأت تبحثين عنها من دون وعي. خامسًا: الاتفاقيات غير المقروءة: فعندما نقوم بتحميل التطبيقات، أو تحديث نظام التشغيل، فإننا كثيرًا ما نضغط على خانة (موافق) من دون قراءة الشروط والبنود التي قد تتضمن الموافقة على مشاركة بيانات الموقع، وجهات الاتصال، وسجل البحث، حتى الأنشطة داخل التطبيقات الأخرى، وهذه الموافقات تتيح للشركات بناء صورة رقمية دقيقة جدًا عنك، لا تختلف كثيرًا عن خريطة أفكارك وسلوكك اليومي. إذن، نحن نعيش رقابة تقنية شديدة، تراقب أفكارنا وسلوكياتنا، بل حتى ما يختلج في أذهاننا، وهواتفنا لا تمتلك روحًا أو مشاعر، لكنها تحمل أعقد تقنيات الذكاء الصناعي والتحليل السلوكي، وهذا ما يؤثر في مدى وعينا وسلوكياتنا، فكلما زادت ثقافتنا الرقمية، كانت سيطرتنا على خصوصياتنا أكثر، وتجنبنا الرقابة التقنية على أدق تفاصيل حياتنا. ............... (1) تفسير الطبيعة والنفس لعالم النفس السويسري (كارل يونغ): ج8،ص519. *صاحب هذا المصطلح هو عالم النفس المعرفي البريطاني (بيتر واسون).