ضِفَافُ الوَفَاءِ

لوية هادي الفتلاوي
عدد المشاهدات : 198

وقفتُ على أسوارِ مقبرةِ البقيعِ ورأيتُ قبراً قَد اتسمَ بالنُّبلِ والإيثارِ.. وشممتُ منه عطرَ الوفاءِ، عطرٌ يفوحُ على مَدى الزَّمانِ.. وارتسمتْ تعابيرُ المودةِ لفاطمةَ الزهراءِ (عليها السلام) حينما زفّتْ أولادَها الأربعَة إلى أعراسِ المنيَّةِ.. وهي تعلمُ أنَّهم سيسبحونَ في غديرِ الدِّماءِ فداءً للدينِ.. وذوداً عن مولاهُم وإمامِهِم الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) بابِ النَّجاةِ ومفترضِ الطَّاعةِ.. فرأتهُ وقد أصبحَ ملاذَ اللائذينَ ومقصدَ الوافدينَ.. ثم أبحرتْ في روضِ حياتِها فكانتْ مليئةً بالآلامِ والمحنِ والمصائبِ تراودُها ذكرياتٌ مروعةٌ قد أصابتْ قلبَها الحنونَ كمداً وحسرةً، فأصبحتْ نحيلةَ الجسمِ، ضعيفةَ البصرِ لكثرةِ البكاءِ على مولاها الإمامِ الحسينِ (عليه السلام) صابرةً محتسبةً، ففاضتْ نفساً زكيةً وستبقى مقولتُها الشهيرةُ محفورةً في ذاكرةِ التاريخِ لبشرِ بنِ حذلم لمّا جاءَ ينعَى أولادَها الأربعَة حيثُ قالتْ بقلبٍ فولاذيّ ومعرفةٍ قلَّ نظيرُها "يا هذا قطعتَ نياطَ قلبي أولادي ومن تحت الخضراء كلّهم فداءً لأبي عبد الله الحسينِ، أسألكَ عن سيّدي ومولاي الحُسين..".(1) قال الشاعر محمد علي اليعقوبي(2): وإن أنـس لا أنس أمّ البنين وقـد فـقدتْ ولـدها أجمعَا تـنوحُ عليهم بوادِي البقيعِ فيذري (الطريدُ) لها الأدمُعا ولـم تَسْلُ مَن فقدت واحداً فمَا حالُ مَن فقدتْ أربعَا .............................. (1) أم البنين (عليه السلام) الموقف الرسالي والمنهج التربوي: ص90. (2) أم البنين (عليه السلام) الموقف الرسالي والمنهج التربوي: ص224.