الشعائر الحسينية في بلاد الرافدين

منار قاسم موسى/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 8

عاشوراء مناسبة دينية وثقافية عميقة الجذور، بخاصة في المحافظات العراقية ذات الأغلبية الشيعية، إذ تقام الشعائر الحسينية عبر إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) في أرض كربلاء المقدسة، وتختلف العادات والتقاليد من محافظة إلى أخرى، مع التوافق في الجوهر. وعن الاستعداد لشهر محرم الحرام، بينت بعض النساء موجزًا لإحياء ذكرى عاشوراء: حدثتنا فاطمة فارس/ طالبة ـ محافظة بابل بشأن إحياء ذكرى عاشوراء قائلة: في مدينتنا نحيي ذكرى عاشوراء عن طريق إقامة المجالس الحسينية منذ بداية شهر محرم الحرام، وتستمر حتى أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، إذ نقوم بتوزيع الطعام، وارتداء الملابس السوداء، وارتياد الحسينيات، والمشاركة في مراسيم العزاء باللطم والبكاء، وقد أصبحت مجالس عاشوراء أكثر تنظيمًا، لكن جوهر العزاء ما يزال نفسه، وهو الأهم، مثلما أننا نسعى إلى نقل هذه الشعائر إلى الأجيال القادمة عن طريق تربية أبنائنا على حب أهل البيت (عليهم السلام) واصطحابهم إلى المجالس الحسينية، وبث القيم التي تعلمناها من كربلاء بما يناسب عقولهم، ومما لاشك فيه أن الشعائر الحسينية قد أثرت بشكل كبير في شخصيتي، إذ علمتني الصبر، والتمسك بالمبدأ، والوقوف إلى جانب المظلوم. وحدثتنا جنان الهلالي/ كاتبة ـ كربلاء المقدسة: إن إحياء ذكرى عاشوراء في كل عام أمر مشترك بين جميع عوائل حينا، وهناك شعائر ثابتة، تقام في كل عام، من نشر السواد، وإقامة المجالس الحسينية، وقراءة مصائب الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام)، وإقامة مواكب العزاء لتقديم الخدمة الحسينية، فاستمرار الشعائر الحسينية بمنزلة النهر الجاري، تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق إشراك أطفالنا في مجالس العزاء، وتعريفهم على المعاني الحقيقية لعاشوراء، كالإيمان، والثبات على الولاية، والصبر، والاستقامة، والعدالة، والتضحية، وقد تأثرت منذ طفولتي بالشعائر كثيرًا، فقد تعلمت منها الصبر، والتعاطف مع المظلومين، وأهمية الوقوف مع الحق، نعم هناك بعض التغييرات التي طرأت على المجالس الحسينية، كاستخدام التقنيات الحديثة، وبث المجالس عبر الشبكة العنكبوتية، لكن جوهر المجالس بقي نفسه، ألا وهو إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) بروح الحزن والتأمل في دروس كربلاء. وأما سميرة محمد/ معلمة، الديوانية، فقالت: في محافظتنا نعيش أجواء عاشوراء بوصفها مناسبة مجتمعية متكاملة، إذ نبدأ بتجهيز الحسينيات بأنفسنا، كل بحسب استطاعته، فالشباب يتطوعون لتنظيف الأماكن ونصب السرادقات، والنساء يشاركن في إعداد وجبات الطعام التي توزع على المعزين، فنسعى إلى نقل هذه الشعائر إلى الأجيال القادمة عبر تركيزنا على الجانب العملي والتفاعلي، وتنظيم ورش عمل فنية للأطفال؛ لتعليمهم الرسم وكتابة الشعارات الحسينية، فالشعائر الحسينية علمتنا المسؤولية الجماعية عن طريق العمل التطوعي لخدمة المعزين، ورسخت في نفوسنا رفض الظلم، نعم تغيرت المجالس من حيث التفاعل والمشاركة، إذ أصبح هناك اهتمام أكبر بتقديم محتوىً هادف وعصري يجذب الشباب، لكن يبقى الأصل الشعور بالحزن المشترك، والتعبير عن الولاء للإمام الحسين (عليه السلام) والالتزام بقيمه. وحدثتنا زينب علي/ خريجة، البصرة، عن الموضوع قائلةً: نحيي الذكرى بلهفة وحزن عميقين، فنبدأ بإقامة المجالس الحسينية، ومواكب العزاء واللطم، وإطعام الطعام، ورفع الرايات والأعلام السوداء؛ لننقل هذه الشعائر إلى الأجيال القادمة عن طريق التربية والتنشئة، وتقديم القدوة الحسنة عبر سرد القصص والروايات التي نحكي فيها لأطفالنا عن شجاعة الإمام الحسين (عليه السلام) وإيثاره وتضحياته، فالشعائر الحسينية كان لها الأثر الكبير في شخصيتي، إذ تعلمت الصبر والتحمل، والتمسك بالمبادئ، والوقوف مع المظلوم، إضافة إلى التضحية والإيثار، مثلما أشعر أن هذه الشعائر ليست مجرد طقوس حزينة نستذكر فيها مصائب أهل البيت (عليهم السلام)، بل إنها مدرسة تربوية علمتنا دروسًا قيمة في الحياة. وبينت رقية عباس علي/ طالبة، ذي قار: في (ذي قار) مثلما هو الحال في أغلب مدن الجنوب العراقي، تبدأ الاستعدادات لهذه المناسبة منذ بداية شهر محرم الحرام، وتستمر حتى الأربعين الحسيني، وتنتقل هذه الشعائر عبر التربية الأسرية، والمشاركة الفعلية للأطفال في الشعائر، والتعليم الديني، واستخدام وسائل الإعلام والتكنولوحيا، والقدوة الحسنة، فالشعائر الحسينية هي التي علمتنا قيم التضحية، والصبر، والتمسك بالمبادئ، ونصرة المظلوم، والتواضع، وغيرها من الفضائل. إن واقعة عاشوراء مناسبة تجمع ولا تفرق، فعلى الرغم من الاختلاف في التفاصيل، تبقى مراسيم العزاء العاشورائية في العراق شاهدةً على قدرة الموروث الشعبي في تحويل الألم إلى قوة إبداعية، تستذكر مصائب العترة الطاهرة (عليهم السلام)، فضلًا عن إظهار المحبة والولاء لهم.