رائحة الغروب
في اللحظات الأخيرة عندما راودتني المشاعر وهاجمتني في آنٍ واحد، وأنا مستلقٍ على آخر وسادة، تحدّق بي الجدران، ويرمقني السقف بنظرة شفقة، علا صوت الهمسات، لكنّني على الرغم من ذلك، لم أفهم ما يقولون، فصوت المشاعر كان عاليًا، لم يسهّل عليَّ سماع ولو كلمة واحدة أو حتى حرف.. انشغلتُ عنهم بي، وبما حدث لي، بتلك الأشياء الغريبة التي حدثت لي لأول مرّة، أغمضتُ عينيّ وفتحتهما، وأنا أعلم أنّ بوّابة الخروج تقترب منّي، تمتدّ أبوابها بهدف اعتناقي أو سحبي نحوها.. أنظر بعينيّ كيف تنقطع كلّ حبال الوصل، وتنهدم أعمدة الوجود، وتختفي الألوان تدريجيًا؛ ليكسوها السواد، وتتلاشى الملامح، تلك التي كانت تظنّ أنّها خالدة.. أمّا هذه الدنيّة، فتنظر بكلّ وقاحة، كأنّها لم تكذب عليَّ يومًا ولم تخدعني، أليست هذه النهاية؟ ألم تقولي: إنّ الزوال شيء لا يعرفكِ ولا تعرفينه؟ لِمَ ترتدين ثوب البقاء وأنتِ أسرع زوالًا من ارتداد الطرف، أقلّ من أنْ أسرف فيكِ بكلّ شيء.. اصنعي من هذه النهاية بدايات جديدة على يديكِ إنْ كنتِ حقًّا تستحقّين، امنحيني بعض الوقت لأكرهكِ، وأصحّح فيكِ أخطائي، لأقول لمَن ضاع فيكِ: إنّكِ ستخذلينه.. افعلي شيئًا واحدًا لمَن أغرقتِه في هيامكِ: تمسّكي بمَن تمسّك بكِ وباع لأجلكِ ما كان ينبغي أنْ يحتضن ويكتنز.. لكنّها لا تجيب، تحوّلت في لحظةٍ إلى حجر أصمّ، اكتفت بابتسامة ساخرة، بدت عليها ملامح الانتصار على مغفّل مثلي، فأعطتني آخر جرعة من الندم، وسقتني إياها دفعة واحدة.. رنّ منبّه الساعة، إنّها الدقيقة الأولى من آخر ساعة لي، بدأ كلّ شيء بمفارقتي، فعلمتُ حينها مدى الضياع، وحجم خسائري، ومدى لؤمها ودناءتها.. أنا الآن هنا، كلّ الأيدي ارتفعت عنّي، أنال من الجميع نظرات عابرة فقط، تواسيني خيبتي.. حبّات الرمل المتناثرة على أطرافي تُودع الأشجار نور الشمس في كلّ غروب، ولهم في كلّ صبح لقاء، أمّا أنا، فهذا آخر غروب لي، وآخر لقاء..