رياض الزهراء العدد 79 مناهل ثقافية
الزَّهرَةُ البَيضَاء
مرّ الجدول الصغير من أمام زهرة بيضاء، فابتسم قائلاً: كم أنتِ جميلة أيتها الزهرة؟! تطلّعتْ الزهرة إلى مياه الجدول الصافية، وهتفتْ: حقاً أنني جميلة جداً، جميلة أكثر ممّا كنتُ أتصور، ولكن ما يضايقني هو هذه الوريقات الخضراء، إنها تكاد تخنقني. شعرتْ الزهرة البيضاء بالضيق، وقالت محدّثة نفسها: ما فائدة جمالي إذن، إذا لم أنزع هذه الوريقات التافهة، سوف أتخلّص منها بأيّ ثمن، وحينها سوف يدرك الجميع مدى جمالي وسيعجبون بي. التفتتْ الزهرة البيضاء إلى جارتها وقالت: هل لكِ أن تساعديني يا صديقتي على اقتلاع هذه الوريقات الخضراء؟ فوجئت الجارة، وقالت بأسف: كوني عاقلة يا صديقتي، إن هذه الوريقات تحميكِ وتصونكِ، ولولاها لطارت أوراقك البيضاء الجميلة مع أول عاصفة أو حينما ينهمر المطر، وهذه الأوراق لا تحميك فحسب، بل تضفي على جمالك جمالاً ووقاراً، لم تستمع الزهرة إلى نصيحة جارتها الطيبة، وقالت بحدّة: لقد ضجرت منها ولابدّ من أن أتخلص منها. وحينما مرّ الغراب نادت الزهرة متوسلة: هل لكَ أن تساعدني أيها الغراب، فتخلّصني من هذه الوريقات الخضراء المزعجة؟ قهقه الغراب وسخر من بلاهة هذه الزهرة، وتقدّم منها بخبثٍ وراح ينتزع وريقاتها الخضراء الواحدة بعد الأخرى، وبعد أن أنهى عمله طار بعيداً. تطلّعتْ الزهرة إلى مياه الجدول وقالت بغرور: لقد أصبحت جميلة أكثر وسوف يُعجب الجميع بجمالي وسيقول الجدول: إني أجمل أزهار الدنيا! وفي المساء هبّت عاصفة شديدة، حاولتْ الزهرة أن تقاوم الرياح ولكنها عجزت عن ذلك وتذكّرت وريقاتها الخضراء وقالت بندم: ليتني لم أنتزع تلك الوريقات؛ لأحتجب بها الآن من العاصفة، حاولتْ أن تتشبث بأوراقها البيضاء ولكن دون جدوى، وحينما أشرقت الشمس في اليوم التالي سقطتْ آخر ورقة بيضاء، وعندها أضحتْ الزهرة مجرد عود لا قيمة له. نظر الجدول فرآها تبكي بألمٍ، فقال: لِمَ ألقيتِ حجابك الذي كان يصونكِ ويحميكِ؟ لماذا لم تسمعي إلى نصائح الأصدقاء؟ قال الجدول ذلك وهو يحمل الأوراق المتساقطة بعيداً.