رياض الزهراء العدد 223 ألم الجراح
سامراء تعرف سر الانتظار
مَن ذا يهشمُ صمتَ القباب المطفأةِ في مدينةٍ أنجبت النور وابتلعتْهُ المقادير.. هنا في أزقة سامراء التي مرت بها خُطى إمامٍ مقهور الزمنُ لا يمضي، فالعائدون من ضفاف التوسل، يجرون أرواحهم المبللة بالدعاء، ويرشون تراب المرقد على جراح الغياب، عله يبرأ.. والمآذنُ تصدح بلا صوت، كأنها نسيتْ نداء السماء منذ أنْ غابتْ عنها اليدُ الطاهرة.. أيها المصابُ بداءِ الحياة، تعالَ إلى سامراء؛ لتعلمَ أن الحزنَ هنا ليس طارئًا، بل عقيدة محفورة في جدران العزلة.. يا زهرة البنفسج في صحراء الوجع، تهب عليكِ نسائم الوله، فتداعب خصلات الحنين، وتهدهد مهد الأحلام الحزينة، فتسافر الروح محلقةً في سمائكِ التي تسكن الوجدان.. تسترجع فيكِ كل نبضة كانت على مقربةٍ من الضريح، وكل دمعةٍ سكبتها الأرواح بين يدي العسكريين (عليهما السلام).. كأن كل نخلة فيكِ تحمل ذاكرة شهيد، وكل طين على ضفافكِ صلى مراتٍ على جراحٍ لم تندمل، وما بين الخراب الذي طالكِ، كان ثمة بنفسجة، زهرة من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين).. أشارت إلى النحل، ففاضت الحلاوة، وما يزال في بطنكِ يا سامراء شفاء للأرواح التائهة.. أيتها المدينة التي ابتلعت الجراح بصمت، يا مَن استيقظت على صوت الانفجارات، لكنها لبست وشاح الطهر، ورفعت رأسها عاليًا كجبين الإمام (عليه السلام).. ففيكِ وُلد النور، وفيكِ اختبأ الأمل، وتحت ركامكِ يسكن الحسن العسكري (عليه السلام).. وفيكِ يرتقب القائم (عجل الله فرجه) فجره.. تُقرع نواقيس الشوق، وتنقشع غيوم النسيان، وأنتِ كما أنتِ، موطنُ الطهر الموجوع، وظل الإمامة الذي لم يُطفأ على الرغم من أزيز الأحقاد.. لقد كنتِ سامراء غَمامةً حنونةً في موسم الجدب، تسقين الوحشة، وترشين على شجرة الحرمان وابلًا من الحنان، تفتحين نوافذ القلوب للنور، فتستقيم المواسم اليابسة، وتفيق الأماني من غفوةٍ طويلة.. أنتِ النور الذي ظهر في متاهات العتمة؛ لكنكِ حين أقبلتِ، أنعشتِ زهرة العمر، وأيقظتِ ما حسبناه ميتًا في الصدور، ومنكِ تعلمت الأرواح أنْ لا تخضع للظالمين، وأن الرجاء لا يشيخ في حضرة الأوصياء.. فمدينتي وحدها تعرف سر الانتظار، فعلى الرغم من طعناتِ الماضي، وخناجر الحاضر، توشوشُ للمآذن: اصبري، فالغائبُ لم ينسَ طريقَه، وستتحقق العدالة في آخرِ الزمان..