المقارنة: السارق الخفي لفرحة الطفولة

هدى نصر المفرجيّ/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 32

كانت خطوات (أحمد) ثقيلة جدًا، و(وثيقة النجاح) بين أصابعه الصغيرة لا تثقل كفيه بقدر ما يثقل قلبه ذلك السؤال المتكرر: كم كانت نتيجتك؟ وعلى الرغم من اجتيازه العام الدراسي بنجاح، إلا أن فرحته كانت أشبه بزهرة ذابلة، فهو يعلم أن لحظة العودة إلى المنزل ستحول نجاحه إلى مجرد ذريعة للمقارنة القاسية في كل عام، إذ يصبح نجاحه مجرد ظل باهت مقارنةً بتفوق غيره من أبناء الأقرباء، وسيرشق بالكلمات الجارحة كالسهام: (أنت مهمل)، (لمْ تدرسْ)، (ابن عمك مجتهد وأنت فاشل)، محكمة عائلية يحاكم فيها من دون ذنب سوى أنه لم يبلغ ذلك المعيار المطلق للتفوق، الغرور الأسري والتنافس المزعوم يقتلان الفرحة في مهدها، ويحولان الطفل إلى كائن يشعر بالدونية، محولًا نجاحه إلى مقارنة تذيب فرحته وتزرع في قلبه الغل، وفي الحقيقة هذه ليست قصة (أحمد) لوحده فقط، بل جرح يتقاسمه كثيرون، والمشكلة تتعدى موضوع الدراسة وتمتد إلى جميع مفاصل الحياة، والكثير من المقارنات التي يرى الأهل أنها محفزة من وجهة نظرهم، في الحقيقة هي المدمر الأول لنفسية الطفل، والسبب الرئيس في تكون عقده التي تترتب عليها نتائج مؤذية في المستقبل. سلبيات المقارنة: 1ـ سحق الهوية والفردية: فكل طفل هو فريد في مواهبه وشخصيته، والمقارنة ترسل إليه رسالة مدمرة، مفادها: قيمتك في أنْ تكون نسخة عن غيرك، لا أنْ تكون نفسك. 2ـ قتل الثقة بالنفس: التركيز المستمر على الفروق والاختلاف مع الآخرين، يشعر الطفل بالدونية والعجز، فيبدأ بالتصديق أنه فاشل. 3ـ زرع الحقد والغيرة: فبدلًا من أنْ تكون صلة الرحم مصدرًا للمحبة والدعم، ستحولها المقارنة إلى مصدر للألم والمنافسة غير الصحية، ويبدأ الطفل بمقت من يقارن به. 4ـ إغلاق باب التواصل: فالطفل الذي يسمع باستمرار أن فلانًا أحسن منه، سيكف عن مشاركة إنجازاته ومشاكله؛ لأنها ستقارن بإنجازات الآخرين، فينسحب عاطفيًا. أسباب القيام بالمقارنة: 1ـ الضغط المجتمعي بدافع الخوف من نظرة الآخرين. 2ـ الجهل بأسس التربية السليمة: فالكثير من الأهل يكررون ما تربوا عليه من دون إدراك لآثاره النفسية السلبية. نحو تربية تكرم الفرد وتعزز الثقة بالنفس: 1ـ المقارنة الذاتية لا الخارجية: ركزي على تقدم طفلك نفسه مقارنةً بما كان عليه سابقًا، مثلًا قولي له: (هل رأيت كيف تحسنت درجاتك مقارنةً بالعام الماضي)، وغير ذلك. 2ـ الاعتراف بالجهد قبل النتيجة: كقولك: (أعلم أنك درست بجد لهذا الامتحان، وهذا ما يهمني)، فأثني على جهوده، ثم ناقشي معه كيفية تحسين النتيجة لاحقًا. 3ـ تشجيع المواهب وتكريمها: فليس كل نجاح يجب أنْ يكون أكاديميًا، فربما يكون ابنك ممتازًا في الرسم، أو رياضيًا بارعًا، فابحثي عما يميزه وأثني عليه. 4ـ تجنبي انتقاده أمام الآخرين: احرصي على عدم ذكر عيوب ابنك أمام أقرانه أو العائلة، فهذا أشد إيلامًا وإذلالًا. إن الذين يختزلون قيمة أبنائهم في الأرقام يغفلون عن حقيقة مؤلمة، ألا وهي أن المقارنات لا تحفز، بل تنهك الروح؛ لذلك فلنوقف هذه الدائرة الجهنمية، ولنتذكر أن كل طفل يحمل بداخله عالمًا من الإمكانات لا تقاس بغيره، وأن أخطر ما نسرقه من أطفالنا هو شعورهم بأنهم محبوبون ومرغوبون مثلما خلقوا.