الأدب بين غزو الذكاء الاصطناعي والوجدان البشري

فاطمة سلام العابدي/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 13

في العصر الحديث باتت الآلة تسيطر على جزء من العالم، فاستُخدمت بدلًا عن الإنسان في مَهام عديدة، ¬¬¬¬¬¬حتى وصلت إلى الكتابة، والشرح، والتعبير عن مشاعر الناس، وكتابة قصصهم، لكن هل هذا سيلغي بصمة الكاتب الإبداعية؟ هذا ما سنعرفه في طيات الحوار مع القاصة والكاتبة والمربية السيدة (جنان الهلالي). هل تعتقدين أن الذكاء الاصطناعي سيغير طبيعة الإبداع، أم سيبقى الإبداع البشري هو الأصل؟ كل تقنية مستحدثة لها تأثير في حياتنا بخاصة إذا كان الأمر مرتبطًا بالجانب الفكري والمعنوي وليس المادي فقط، فنحن نشاهد الطفرات التكنولوجية السريعة بعد ثورة الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولكن مدى التأثير يتفاوت بتفاوت الوعي والفكر لدى الشعوب، وطريقة استثمار تلك التقنيات بشكل مدروس بما يخدم الإنسان والمجتمع في ضمن حدود الدولة الواحدة بما يحافظ ويخدم هوية الأفراد الأصلية. كيف ترين علاقة الكاتب بالذكاء الاصطناعي، تعاونًا أم منافسةً؟ أرى بأنها منافسة نتيجة السرعة التي يُكتب فيها النص، ثم يُدقق لغويًا ونحويًا في غضون دقائق معدودة؛ لذلك تُعد منافسة؛ لأن العقل البشري يحتاج إلى وقت أطول لإجراء هذه العمليات. هل تعتقدين أن بإمكان القارئ اليوم التمييز بين نص كتبه إنسان وآخر أنتجه الذكاء الاصطناعي؟ وكيف؟ حتمًا يمكن ملاحظة الفرق بين النص الإبداعي وبين ما تكتبه الآلة، إذ يبقى العقل البشري له بصمته الفنية؛ لأن النص البشري نص متحرك يتفاعل مع المشاعر، بينما النص المكتوب بالذكاء الاصطناعي نص جامد، بخاصة المواضيع الأدبية. ما الذي يشكل بصمة الكاتب الأدبية برأيكِ؟ وهل يمكن للآلة أنْ تمتلك (بصمة)؟ من المستحيل أنْ تكون للآلة بصمة خاصة حتى هذه اللحظة، وهذه ميزة العقل البشري المتجدد، فيبقى الذكاء الاصطناعي مجموعة من المعلومات والبيانات التي أُدخلت بواسطة الإنسان؛ لذلك تكون النصوص على نسق واحد وبصورة تقريرية واضحة. الكثير من النصوص المنتجة بالذكاء الاصطناعي تبدو متقنة، لكن هل تفتقد شيئًا ما كالشعور والإحساس؟ النص الذي كُتب بالآلة يفتقد إلى شعور الكاتب وأفكاره التي يريد إيصالها، فعلى الرغم من إتقان عمل الآلة، إلا أن النصوص كأنها تقريرية، بل بعضها مكررة أو تتجه اتجاهًا فلسفيًا يبعد القارئ عن وحدة الموضوع والفكرة الأصلية. هل ترين أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أنْ ينتج نصًا أدبيًا يجعل القارئ ينفعل عاطفيًا مثلما يفعل النص البشري؟ لا أعتقد أن الذكاء الاصطناعي قادر على ذلك؛ بكون النص الحزين يحتاج إلى مشاعر وأحاسيس بشرية عالية، حتى الشاعر لا يستطيع كتابة شعر مؤثر وحزين إلا إذا عاش تجربة مؤلمة تحرك فيه الشجن، ليسطر عصارة قلبه على الورق. هل برأيكِ ستظل الكتابة الشخصية المتفردة، قادرة على الصمود في عصر الذكاء الاصطناعي؟ نعم، أراها ستزدهر أكثر حينما يميز القراء بين الغث والسمين، بين الكتابة الإبداعية وبين الحشو الفارغ من أي معنى أو فكرة، وتبقى الكتابة لها أهدافها ومضامينها الخاصة التي يُقصد بها سمو الإنسان وإصلاح المجتمع وتطويره. ماذا تقولين لمَن يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيكون بديلًا عن الأقلام البشرية في المستقبل القريب؟ أعارض هذا القول بشدة، فالكاتب الحقيقي لا يُستبدل بأداة تفتقد للروح، لا إبداع فيها، نعم يمكن للذكاء الاصطناعي أنْ يخدم الكاتب في تنقيح النصوص، والبحث، لكنه لا يملك روح التجربة ولا مرارة الخسارة، ولا تُولد لديه فكرة من وجع شخصي، أو قصيدة وليدة لحظة فرح أو حزن. لو كتبتِ روايةً وكتب الذكاء الاصطناعي رواية في الموضوع نفسه، فكيف ستقنعين القارئ أن روايتكِ أصدق؟ الرواية تحتاج إلى جهد فني كبير، وشخصيات، وثيمة، وصراع، فمن غير الممكن للذكاء الاصطناعي أنْ يحرك أبطال الرواية أو الأحداث الجارية فيها، والصراع الذي يتطور بتقادم الزمان والمكان، نعم قد يختصر الحكاية لكن من دون سرد مشوق وتطور في الصراع، ربما يمكنهُ إيجاد نهاية مناسبة للروايات. هل تفكرين باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في أعمالك الأدبية؟ وفي أي سياق؟ لا مجال للمقارنة بين العقل البشري وبين آلة الذكاء الاصطناعي، فالأديب بصورة عامة يغير من أساليبه، سواء في القصة، أوالشعر، أوالرواية، بل في المجموعة القصصية الواحدة هناك تنوع في صيغة السرد، وبنائه، والفكرة، فما بالكِ إذا استخدمنا الكتابة بالآلة، فحتمًا سيكون النص على نسق واحد، وهذا ينفي مفهوم الإبداع، لكني من باب السرعة أستخدمهُ في التدقيق اللغوي، ولي إبداعي، فالكاتب لا يبحث عن عدد المؤلفات، بل يسهم بجودة النصوص. في كلمة أخيرة، هل تشعرين بالقلق على مستقبل الأدب من الذكاء الاصطناعي؟ نعم كثيرًا، فهناك كُتاب يسعون إلى الشهرة وإلى إصدار كتاب جديد وإنتاج كتب تثقل كاهل الرفوف على حساب المحتوى، سيجد القارئ صعوبة في اختيارالكتاب الجيد، فقد يبهره العنوان، لكن الكتاب فارغ من المحتوى، وهنا تفقد القراءة قُراءها.