رياض الزهراء العدد 223 مرآة الروح
وقفة مع الجمال
تُولد المرأة وفي كيانها ميل فطري نحو الجمال؛ لأنها تحمل في كينونتها رسالة الجمال نفسه، فكل ما يصدر منها يتجمل تلقائيًا: منطقها، روحها، سكينتها، فالمرأة تجلي اللطف الإلهي وجمال خَلقه. قد يتصور بعضهم أن جمال المرأة يقتصر على مظهرها الخارجي، لكن في الحقيقة كل الصفات الشكلية ما هي إلا آيات لعظيم خَلق الله تعالى في عباده، فهناك من النساء مَن يكمن الجمال في شخصيتها، كالتحلي بالسكينة والطمأنينة والكلمة الطيبة، وذلك هو الجمال المعنوي الذي لا تصنعه مساحيق التجميل، ولا الملابس الفاخرة، بل تنسجه الثقافة الدينية والتربية الفاطمية. ينبغي لكل امرأة أنْ تهتم بهذا الجانب من الجمال الروحي والأخلاقي لديها، وأيضًا تغرس في نفوس بناتها هذا المفهوم العميق؛ لأن له الديمومة والبقاء، ولا يتأثر بعوامل الزمن والظروف الخارجية كالجمال الظاهري، وهو متجذر في النفوس، ويزداد تألقًا كلما نضج وتبلور، وهذا لا يعني إهمال المرأة نفسها، بل لابد للمرأة من أنْ تسعى إلى تحقيق التوازن بين الجمالين المادي والمعنوي، وقد يتساءل المرء: ما سر جمال الإنسان؟ فسنجد الجواب في القرآن الكريم في الآيات التي تتحدث عن صفات كالحياء، والصبر، والعفة، والرضا، وغيرها من الصفات الجمالية في المفهوم القرآني، فيقول الله تعالى: وَاللهُ يُحِب الْمُحْسِنِينَ (المائدة:93)، فالحُسن في الآية المباركة لا يُراد به الشكل، بل الفعل والسلوك المتجذر في باطن الروح، وهذا الجمال هو ما ينتج للمجتمع شخصية قوية، مستقرة، حافظة لبيتها، محافظة على تقاليد مجتمعها، ملهمة في صمتها، مطبقة لأحكام الله تعالى، فنجدها العزيزة في قومها، المطيعة لزوجها. وأسوة النساء جميعًا هي سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي لم تُعرف إلا بكمالها الرباني الذي فاقت به جميع النساء من الأولين والآخرين، وحين وصفها أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يذكر هيئأةً ما أو لونًا، بل أثنى على مكارمها العظيمة: "ولقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان"(1). ............................. (1) بحار الأنوار: ج43، ص134.