رياض الزهراء العدد 79 منكم وإليكم
أَنينُ اليَتَامى
الأطفال أحباب الرحمن، وقد جعل - سبحانه - الرفق بهم والعطف عليهم مطلوباً في كلّ وقت، ومسؤولية على عاتق الجميع، فما بالنا باليتامى منهم الذين جارت عليهم عوادي الزمن، وصبّت عليهم الأيام من مصائبها وآلامها، فأخذوا يتخبّطون في أرجائها منذ نعومة أظافرهم؛ لفقدانهم آباءهم سندهم وملجأهم، ففقدوا بذلك ابتسامتهم العذبة للحياة المستمدة من عطف والديهم وحنانهم وإرشاداتهم، ولكنهم كانوا موضعاً للعناية الإلهية، فنصّت آيات كثيرة على رعايتهم، ليس من الجانب المادي فحسب، وإنّما من الجانب المعنوي كذلك، إذ قال سبحانه في محكم كتابه الكريم: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)/ (الضحى:9) وهنا تُطلق الحسرات، فأين عدو الله يزيد (لعنه الله) من هذه الآية الكريمة، فها هو يتجرد من إنسانيته، والحقد والغلظة يملآن روحه، فقام بقهر فلذة كبد الإمام الحسين (عليه السلام) السيدة رقية (عليها السلام) وعمرها لا يتجاوز الأربع سنوات، عندما قدّم لها رأس أبيها لمّا سمع بكاءها عليه. وعلى كلّ حال؛ اليتيم بفقده لأبيه وتحمّله لأعباء الحياة وثقلها تتكون لديه عقدة اليتم التي تجعله يشعر بالانكسار، ويصبح أكثر تأثراً وتحسساً من ذويه، مما يتطلب احتضانه واحتواءه وتخفيف معاناته ومعاملته بحرص أكبر، تجنباً لجرح مشاعره؛ لأنه لا يكفي توفير ضروريات الحياة له فحسب، وإنما هو بحاجة ماسة للعطف والحنان والحبّ والعطاء؛ لتعويضه عن تلك الحظوة التي هي حقّ لكلّ إنسان، ولينمو بصورة معتدلة من الجانبين الجسمي والنفسي، وليكون إنساناً صالحاً في المستقبل. وقد أكّد الرسول الكريم على حسن معاملة اليتيم ورعايته بقوله: "خير بيوتكم بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشر بيوتكم بيت يساء إليه"(1) وقال (صلى الله عليه وآله): "مَن مسح رأس يتيم كانت له بكلّ شعرة مرت عليها يده حسنات"(2) وغيرها كثير من الأحاديث التي تعكس أهمية مراعاة الجانب المعنوي للطفل اليتيم؛ لِما له من أثر كبير في نفسيته وتكوين شخصيته، فمثلاً رسولنا الكريم المبعوث رحمة للعالمين نشأ يتيماً، لكنه وجد من يحتضنه ويكفله ويحويه، إذ نشأ في بيت كريم جمع بين طيب الخلق، وتحلّى جميع شخوصه بكلّ صفات النبل والعدل والمروءة، الذين من غير المعقول أن يُضام أحد عاش بكنفهم، فانعكس ذلك في تكوين شخصية الصادق الأمين، حبيب ربّ العالمين. وعليه فلو توافرت لكلّ يتيم بيئة صالحة، تتقي الله حقّ تقاته؛ لنشأ أيتامنا - وما أكثرهم - عيشة سوية في ظل مبادئ الدين الإسلامي القويم. .................................. (1) مستدرك الوسائل، ج1، ص148. (2) مستدرك الوسائل، ج15، ص122.