المَهمَّةُ الصَّعبَة

زهراء علي حسن/ كلية التربية
عدد المشاهدات : 174

ولد الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الجمعة في الثامن من شهر ربيع الثاني سنة (232هـ) على رواية، وكان مولده في المدينة المنورة، فامتلأ البيت النبويّ بالسرور والحَبور، وابتهج قلب الإمام الهادي (عليه السلام) بهذا المولود المبارك، فأجرى عليه مراسيم الولادة، وقد بقي في كنف أبيه (عليه السلام) اثنتين وعشرين سنة، وبعد استشهاد والده اضطَلع بمهام الإمامة، وقد أخذ على عاتقه مَهمّة التمهيد لعصر الغيبة، والاحتجاب عن الناس في خطوة منه لتعويدهم على غياب الإمام بعد أن كانوا يتصلون به مباشرة وأمام أعينهم من دون وسائط، فاستخدم نظام النوّاب والوكلاء، لترسيخ مفهوم الغيبة في أذهان شيعته. عاش الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مدة حرجة مرّت على الشيعة بسبب العباسيين الذين جرّعوا أهل البيت (عليهم السلام)وأتباعهم غصص المرارة والعذاب، وحاولوا القضاء على الشيعة في كلّ مكان، وقد كان تركيزهم على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)؛ لأنه الإمام الحادي عشر، وأن القائم (عليه السلام) الإمام الثاني عشر الذي سيملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً سيكون من ولده، فكان (عليه السلام) أمام تحديات كبيرة وخطيرة، إذ كان عليه أن يخفي وجود الإمام المهدي (عليه السلام) عن الظالمين، وفي الوقت نفسه يظهره لشيعته؛ لكي يعلموا بوجوده ويتّبعوه، ولنا أن نتخيل مدى صعوبة هذه المَهمة إذا علمنا بأن الجواسيس كانوا في بيت الإمام (عليه السلام) يترصدون خطواته ليلَ نهارَ، حتى إنهم جعلوا عدداً من الجواري في بيته لمراقبة النساء عن كثب؛ خوفاً من حمل إحداهنّ بالإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وشاءت العناية الإلهية أن تحفظ الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ويُخفى أثر حمله. وقد استطاع الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أن يبشّر شيعته بوجود الإمام المهدي (عليه السلام) من دون أن يلفت نظر السلطات إلى ذلك وذلك بإخبار ثقات الشيعة، وتبليغ الأباعد منهم بولادة قائم آل محمد (عليه السلام). من جهة أخرى كان على الإمام (عليه السلام) التصدي للأفكار المنحرفة والاتجاهات والتيارات الثقافية المعادية للإسلام، التي غزت بلاد المسلمين وإنقاذ الأمة من الضلال، وتمثلت مواقفه العلمية بردوده المفحمة للشبهات الإلحادية، وإظهاره الحق بأسلوب الحوار والجدل الموضوعي والمناقشات العلمية، وكان يردف هذا النشاط بنشاط آخر وذلك بإصداره البيانات العلمية وتأليفه الكتب ونحو ذلك، وهو بهذا الجهد يحفظ للأمة العقائدية شخصيتها الرسالية والفكرية من ناحية، ومقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطراً على الرسالة، وضربها في بدايات تكوينها من ناحية أخرى.