صراط التّقوى

رجاء علي البوهاني/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 85

يعدّ مفهوم (التقوى) من المفاهيم التي يزخر بها الفكر الإسلامي، واعتنى القرآن الكريم بها أيّما اعتناء بالحثّ على التلبّس بها، وجعلها معيارا يوزن الناس بها، فقد جاء في قوله تعالى: )إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم( (الحجرات:13)، ومن اتّصف بالتقوى حاز على الفرقان الإلهي، والمغفرة، وسعة الفضل من ربّ كريم، فقال (عزّ وجلّ): )إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم( (الأنفال:29)، وربط سبحانه بين الانتفاع بهدي القرآن الكريم بالتقوى، فقال تعالى: )هدى لّلمتّقين( (البقرة:1). و(التقوى) ملكة نفسانية تبعث على التورّع عن محارم الله (عزّ وجلّ)، وتأتي نتيجة وقاية النفس من المعاصي والمحرّمات، وحفظها من كلّ ما يغضب الله تعالى، ومثلما قال الإمام عليّ (عليه السلام): "التقوى هي أن يتوقّى المرء كلّ ما يؤثمه"(1) فهل هي واجبة؟ أم أنّها أمر أخلاقي مرغوب فيه ومحبّب في الشريعة المقدّسة؟ وهل المطلوب هو التقوى التامّة أم أنّها أمر نسبي؟ إنّ منشأ (التقوى) هو الخوف من عقوبة الآخرة التي سيستحقّها الإنسان بسبب ما ارتكبه من المعاصي والذنوب، فالعقاب الأخروي هو ضرر محتمل، ودفع الضرر واجب عقلا، فحتى يحصّن الإنسان نفسه من هذا الضرر المحتمل، يتّقي كلّ ما هو محرّم، والمراد من التحصين من الضرر هو التقوى التامّة لا الجزئية، يعني من يتّقي الله تعالى، لا يرتكب بعض المعاصي دون البعض الآخر، ويحمي نفسه من بعض العقوبة دون البعض الآخر، فيستحقّ العقاب على المخالفة فيما لم يتّقه من المخالفة ويصدق عليه قوله تعالى: )فما أصبرهم على النّار( (البقرة:175)، ففي تفسير (العيّاشي) ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في معنى هذه الآية أنّه قال: "ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النار"(2). إذا المطلوب هو التقوى التامّة، نعم من لا يتمكّن منها بهذا النحو عليه أن يبذل الجهد في تحقيقها قدر الإمكان، ويكون في صراط التقوى، ويقصد نيل المرتبة الأتمّ منها لينال ما يناله من مراتبها المختلفة بقدر ما عنده من الفهم والهمّة، وممّا يفاض عليه من توفيق الله تعالى وتأييده وتسديده، وذلك نظير الاهتداء إلى الصراط المستقيم الذي لا يتمكّن منه إلّا القلّة، ومع ذلك يدعى إليه جميع الناس. .................................. (1) ميزان الحكمة: ج4، ص3638. (2) أصول الكافي: ج2، ص 268.