رياض الزهراء العدد 224 ألم الجراح
حين بكت المآذن وتهشمت
في سامرّاء انكسر الضوء على أعتاب الحنين، وتناثرت المآذن كأجنحة الحمام. مزّقها صدى الحقد فوق قباب كانت تنشد السماء. ما لي أراك صامتا تحدّق في العدم كمن خسر صوته؟! أتراك تخجل من الحرف، من الدمع، من المآذن حين تسقط بلا ذنب؟ هناك.. ارتجف التاريخ من صفعة الخيانة، وسالت الأحجار دمعا حين ضرب القلب الذي ضمّ الإمامين بصمت مقدّس اتّشح بالنور. ما لي أراك تنظر للأفق كأنّك فقدت وجه القبلة؟ كأنّك نسيت أنّ سامرّاء كانت في قلب النور، ثم صارت في قلب الجمر.. يا مآذن الذهب، كم رنّ فيك الأذان كنبض المعجزات، وكم طافت حولك الأرواح تستنشق عبير اليقين من تراب أعزّ من الأرواح.. أما آن لقلبك أن يعتصر من الألم؟ أن تهتزّ أوتاره لدمعة تنزفها قبّة تفرّ كطفلة مذعورة؟ أما ارتعدت أصابعك حين سحق الضوء تحت ركام الحقد؟ كأنّ الزمن انكسر حين سقطت.. وكأنّ سامرّاء كلّها شهقت أنينا مات على شفتيها الدعاء، وتشقّقت في صدرها أنهار الأسى.. يا قلمي، كفّ عن صمتك المريع.. دع عنك حيادا لا يليق بمقام النور، فالمآذن لا تفجّر كلّ يوم، ولا يسفك التاريخ هكذا بمسمار من نار ودخان يطعن الذاكرة.. من ذا الذي سوّلت له نفسه أن يهدم بيت النور؟ أن يطعن ذاكرة آل محمّد (صلوات الله عليهم أجمعين)؟ أن يطفئ قنديل الهدى؟ اكتب يا قلمي! اكتب عن رائحة البارود التي اختلطت بعطر الزيارة.. عن زوّار جاؤوا بالدعاء فعادوا بالبكاء.. يا سامرّاء، عودي إلى الدفء الذي كنت عليه، فالمآذن وإن تهدّمت، فإنّ الصدى باق يردّده الزائرون في خيالاتهم كلّما مشوا على ترابك باحثين عن نور سفك ولم يمت.. اكتب يا قلمي عن جدار قد تهدّم، لكنّه ظلّ يقاوم بالدعاء وبالولاء، وبدمعة طفل لصق وجهه بالتراب وقال: هنا بيت إمامي، فمن ذا الذي فجّر بيت الإمام؟!