رياض الزهراء العدد 224 استطلاع رأي
هل يؤثّر العمل في أهداف الأمومة؟
من أبهى عطايا الرحمن وأجمل مننه على البشرية أن أودع في قلب المرأة سرّ الأمومة، ذلك النبض الخفي الذي يتجلّى حتى في ملامح الطفولة الأولى؛ فما إن تهدي فتاة صغيرة دمية، حتى تراها تنحني عليها بحنان الأمّ، ممّا يعكس فطرة أبدية أودعها الخالق في كيانها، حتى تنضج، فتتحوّل إلى رسالة حضارية كبرى، فالأمّ هي المدرسة التي تعدّ أجيالا طيّبة الأعراق، وهي الغيث الذي يروي الأرض والقلوب معا، وهي المعلّمة التي خرّجت العلماء، والأدباء، والأبطال، والبسطاء الذين زيّنهم حسن الخلق، فكانوا مصلحين لأنفسهم ولمن حولهم. وإذا كانت هذه الأمّ امرأة عاملة فهل يحجبها العمل عن أهداف أمومتها، أم يمدّها بطاقة إضافية؟ أيتزاحم الواجب المهني مع رسالتها الأولى في تنشئة الأبناء، أم يمكن أن يتكامل معها؟ وكيف تستطيع أن تحفظ التوازن بين دورها بصفتها أمّا وبين واجباتها بصفتها عاملة بحيث لا يخسر أحد الدورين ألقه ولا ينطفئ وهجه؟ هذه الأسئلة هي مادّة استطلاعنا التي نحاول أن نجيب عنها عبر سؤال الأمّهات العاملات لمعرفة أثر العمل في حياتهنّ الأسرية. أسمهان الموسوي/ دكتوراه لغة عربية: الأمومة بالنسبة إليّ أمانة لم أفكّر للحظة أن تعود عليّ بالنفع في المستقبل، فكلّ هدفي هو إعداد أبناء صالحين وقادة مؤثّرين في المجتمع. ولم تتعارض هذه الأهداف مع عملي؛ لأنّي غيّرت مسار عملي وتعليمي من أجل تحقيق هذا الهدف، لكنّها أثّرت في صحّتي فقط، لكنّي لا أجد نفسي مقصّرة تجاه العائلة، فعملي لا يقتصر على المنفعة المادّية، بل هو جزء من خطّة رسمتها منذ سنوات بعيدة، وإن شاء الله تعالى تكتمل بأتمّ وجه. نور الهدى أحمد/ مراسلة صحفية: في الحقيقة لم تكن الأمومة هدفا بالنسبة إليّ ولم أكن أتوقّع أن أصبح أمّا بهذه السرعة، ففي حالتي كانت الأمومة رزقا مفاجئا، لكن هذا الرزق هو نعمة نحاسب عليها، فالأمومة تجربة جامحة، عبارة عن تيّار متسارع من الأحداث، وعمل متواصل لا يقبل الأعذار، ولا يتحمّل مزاج الأمّ، ولا يشعر أحد بحجم ما تكابده من أجل الأبناء إلّا هي نفسها، فتختلط مشاعرها بين الاهتمام بالطفل، وبين تغيّر حياتها منذ لحظة الولادة، وبين الحنين إلى نفسها قبل الأمومة، فتكمن الصعوبة في كيفية شرح ما تشعر به لمن حولها، فتصل إلى نقطة أصلية جوهرية في مفهوم الأمومة وهدفها، ألا وهي أن تحافظ على وليدها بأيّ طريقة كانت وإلى آخر عمرها. أمّا الشقّ الثاني من سؤالكم: فنعم تتعارض الأمومة مع الوظيفة حتى إذا توافرت كلّ السبل والحلول لأيّ ظرف يعترض الأمّ، وذلك بسبب إحساس الأمّ بوجوب ملازمتها للطفل، فلا تطمئنّ عليه عند غيرها، ولا تضمن قلبا رؤوفا مثل قلبها مهما حاول من حولها مساعدتها، ومن ثمّ تبقى تواجه تحدّيات، وأزمات كثيرة لاسيّما الوقت الذي نترك فيه الطفل في الحضانة والروضة، ولو عدنا إلى الحقيقة التي أصبحت تتلاشى شيئا فشيئا لدى بعضهم، وليس الجميع، وهي أنّ الأمّ غير مسؤولة أساسا عن العمل خارج المنزل وغير مطالبة به، وأستطيع القول إنّ العمل أثّر في أمومتي، فالجهد المتواصل والوقت المبذول بين العمل والمنزل جعلني أقصّر تجاه ابني. أنوار سامي السعداوي/ موظّفة: بالنسبة إلى الجزء الأول من السؤال، فأنا لا أعدّ الأمومة هدفا؛ بل في نظري (الأمومة) هي ديمومة الحياة وزينتها، مثلما قال تعالى) :المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثوابا وخيرٌ أملا( (الكهف:46)، وأعدّها رسالة يجب علينا تأديتها بكلّ أمانة وصدق، ففي نظري أولادي هم إرثي، أي امتدادي بعد مماتي، فعندما صرت أمّا لأول مرّة، شعرت بشعور غريب يعتريني لا يمكن وصفه أو تقييده بجملة. وبالنسبة إلى الشقّ الثاني من السؤال، فلا أحسّ أنّ للعمل تأثيرا في الأمومة لديّ لكوني امرأة عاملة فأنا أعطي كلّ ذي حقّ حقّه، وأوازن دائما بين عملي، وبيتي، ومسؤوليتي بصفتي أمّا لطفلين ومسؤولياتي الأخرى عن طريق نظام أتّبعه وأخطّط له كلّ يوم، ولا أشعر أنّ العمل له تأثير سلبي أو يكون سببا للتقصير في واجباتي، بل على العكس أرى العمل قد حقّق طموحا كنت أروم الوصول إليه، ولا أنسى هذا كلّه فضل ومنّة من الله سبحانه وتعالى عليّ بكلّ ما أنا عليه، فالحمد لله دائما وأبدا ما حييت. بثينة حسن هاشم/ مدرّسة لغة إنجليزية: الأمومة نفسها كانت بالنسبة إليّ هدفا، كنت أريد أن أعيش هذا الشعور، ثم أدركت أنّها منحة ربّانية أكبر من أن تكون هدفا نسعى إليه نحن البشر، فالخالق (عزّ وجلّ) هو من يتفضّل علينا بها وهو القائل جلّ من قائل: )أو يزوّجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنّه عليمٌ قديرٌ( (الشورى:50)، أمّا بالنسبة إلى العمل، فطوال مسيرتي الممتدّة لـ(35) عاما في تدريس اللغة الإنجليزية عملت جاهدة كي لا يؤثّر العمل في مهامّي بصفتي أمّا، فكنت أسعى إلى عمل كلّ شيء بنفسي، كأنواع الطعام، وأفادني تخصّصي بأن كنت أساعد أولادي في دروسهم، حتى عندما أكملت ابنتي الدراسات العليا ساعدتها في ترجمة بعض الموادّ في تخصّصها، وأفادتني الأمومة بأن أصبحت أكثر فهما وتقديرا لظروف طلبتي العائلية والاقتصادية والاجتماعية، وزادت من شعوري بالمسؤولية تجاههم أكثر، فالعمل أضاء جانبا من الأمومة، والأمومة أضاءت جانبا من العمل، فكمّلا بعضهما، إلّا أنّ شيئا واحدا يحزّ في نفسي، ألا وهو الوقت الذي يصل فيه الأولاد قبلي إلى البيت، فكنت أتمنّى أن أصل أنا قبلهم وأهيّىء لهم المنزل مثلما يحبّون. غفران عبد الحسين/ مؤرشفة: أرى الأمومة رسالة إنسانية ومسؤولية كبيرة وسامية، وشعور لا يوصف بالكلمات، الهدف منها تربية جيل واع وسوي نفسيا وأخلاقيا، وبصفتي أمّا هو أن أهيّئ بيئة مليئة بالحبّ والدعم لأطفالي، مثلما أنّها طوّرتني شخصيا، وعلّمتني الصبر، والتفاني، والعطاء الدائم، لا أنكر أنّ العمل شكّل تحدّيا في بعض المراحل، بخاصّة عندما يكون هناك ضغط وظيفي أو التزامات إضافية، لكنّني أستطيع القول إنّ الأثر لم يكن سلبيا بالكامل، بل ساعدني العمل على تنمية مهاراتي الشخصية، وكوني امرأة عاملة لا يقلّل من اهتمامي بأطفالي، بل يزيد من إحساسي بالمسؤولية، وفي بعض الأوقات أشعر بالتحدّي في التوفيق بين المهامّ الوظيفية واحتياجات أطفالي، لكن ذلك جعلني أكثر تنظيما وحرصا على قضاء وقت مميّز معهم، مثلما أنّ العمل ساعدني على النموّ الشخصي والمهني، ممّا أعطاني طاقة إيجابية أستثمرها في علاقتي مع أطفالي. إنّ تأثير العمل في أهداف الأمومة يختلف بحسب تأثّر الأمّ به من أمّ إلى أخرى، وبحسب الكيفية التي تتعامل بها مع مسؤولياتها وقدرتها على تحقيق التوازن بين العمل والأمومة، بينما ترى بعض الأمّهات أنّ العمل لا يتعارض مع أهدافهنّ وواجباتهنّ.