ظل السيدة
في وقت بدت الخطوات أثقل من الجبال، هموم يرميها العالم الدنيوي المادّي بالجملة على عشرات من البيوت المتهالكة السقوف، ثمّة دعوات ترتفع بشهقة الأنفاس الحارّة المترقّبة للأمل، مردّدة اسما واحدا طالما كرّرته عند الأزمات: (يا فاطمة الزهراء)، فتنخفض حدّة الألم ما أن يزيّن الأمان المنبعث من هذا الاسم طيّات النفوس. ثمّة صور متراصفة على الجدار تجذب انتباه الأطفال المتسائلين بشغف فائض عن سرّ الوجوه العديدة المغطّاة بهالات النور، صور لرجال مهيبة، تتوسّطهم السيّدة كدرّة مزيّنة تجمعّهم الكريم. ـ قالت الأمّ: هذه ليست مجرّد أنوار يا أبنائي، إنّهم أصحاب الأسماء التي طالما فرّجت بهم الكربات، واستجيبت بهم الدعوات، هؤلاء أحباب الله سبحانه الذين عبّدوا لنا الطرق بما لا يحصى من التضحيات. - الابن: حتى السيّدة؟ - الأمّ: السيّدة يا بنيّ درّة العقد النبوي، هي بنت الرسالة المكرّمة، وبنت النبوّة المطهّرة، صاحبة الرزايا التي مضت محطّمة الأضلاع لأجل أن نحيا نحن على دين وصلاة، هذه الأنوار سلسلة ممتدّة شاء الله تعالى بهم الهداية للبشرية، فمنحهم سمة وخاصيّة مغايرة عن بقيّة الناس، إذ قال في كتابه العزيز: )إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا( (الأحزاب:33)؛ لذلك لا يمكن أن يخالط قلب المؤمن الشكّ بمقامهم، فهؤلاء الأولياء منزّهون عن كلّ زلل، هم الوجهة الصائبة في كلّ زمان ومكان. هذا ما تذكّره (محمّد) خلف الساتر في ذلك الوقت الذي هاجت فيه الظهيرة بمختلف أصوات الأسلحة الثقيلة والخفيفة، كان على يقين أنّ المسمّيات قد تتغيّر، لكن جوهر القضيّة يبقى واحدا، في تلك الساعة التي ارتفعت فيها عشرات الأرواح إلى بارئها ملبّية النداء نفسه: (يا زهراء)، لفظ (محمّدٌ) النفس الأخير، مكرّرا الاسم نفسه الذي صار مفتاح العروج نحو العالم الآخر، وما إن اقترب من أن يطبق أجفانه، حلّ ظلّ السيّدة مرافقا خطواته الأولى نحو عالم الأرزاق غير المتناهيّة، لحظات من وهج مختلط الألوان نقلته إلى قوله تعالى: )ولا تحسبنّ الّذين قتلوا في سبيل اللّه أمواتا بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون( (آل عمران:169).