الخطبة الفدكية: سلاح فتاك في مواجهة الظالمين

زينب الموسوي/ كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 57

بعد رحيل الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) الأب العطوف على الخلائق وعلى ابنته السيّدة الزهراء (عليها السلام) بشكل خاصّ، وقد قال فيها: "إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها"(1)، انقلبت الأمّة على أعقابها، وظهرت حقائق بعض البشر الذين حسبوا أنفسهم مقرّبين من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله)، فجعلوا بضعته الطاهرة تعاني وتتألّم مع كلّ نفس تتنفّسه، وعلى الرغم من كلّ ما ورد عليها من التنكيل، وقفت بوجه أعداء اللّٰه بكامل خدرها وعفافها؛ لتذكّرهم بمقامها ومكانتها الاستثنائية عند الله (عزّ وجلّ) وعند نبيّه الكريم، وتطالب بحقّها وبحقّ بعلها وأولادها المأخوذ ظلما وعدوانا، فخطبت في المسلمين خطبة جعلت الحاضرين كأنّ على رؤوسهم الطير، لا ترتدّ إليهم أبصارهم من شدّة بلاغة بيانها وقوة حجّتها، فقالت (سلام الله عليها): "فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين...وزعمتم أنّ لا حظوة لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية أخرج أبي منها؟! أم هل تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟! أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟! أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله والزعيم محمّد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون"(2). لم تكن هذه الخطبة مجرّد كلمات للمطالبة بأرض (فدك) فحسب، إنّما كانت سلاحا فتّاكا بوجه ظالمي آل محمّد (صلوات اللّٰه عليهم أجمعين)، وتصريح واضح بأنّ كلّ من خالفهم وظلمهم كافر، وأنّ الإمامة لا تليق إلّا بأهل البيت (عليهم السلام)، وقد اختارهم اللّٰه تعالى وفضّلهم على العالمين، وأنّ الذي تجرّأ على سلب نحلة السيّدة الزهراء (عليها السلام) وحقّ بعلها هو الذي فتح الباب وسمح لمن بعده بالتجرّؤ على قتل أولادها وسبي بناتها، وأنّ فاجعة كربلاء إنمّا هي نتيجة لما جرى يوم حرق الدار الذي هو أصل الظلم والجور على آل محمّد (صلوات اللّٰه عليهم أجمعين). ......................... (1) بحار الأنوار: ج 29، ص337. (2) الاحتجاج: ج 1، ص 137-139.