رياض الزهراء العدد 224 طفلك مرآتك
معركة الإرادات: عندما يتحوّل فضول طفلك إلى (لا) مزمنة
تبدأ معركة (سلمى) اليومية مع ابنها (أمجد) الذي يبلغ من العمر (5) سنوات عند ظهور أول خيط من خيوط أشعّة الشمس بصراخ حادّ منه؛ لرفضه تناول وجبة الإفطار الصحّية، والمطالبة بالحلوى والسكّريات، فتبدأ (سلمى) محاولاتها بالشرح والإقناع تارة، وبالترهيب أحيانا أخرى، لكنّ (أمجد) لا يهدأ، حتى تستسلم فتناوله ما يريد كي يتوقّف عن البكاء، لكنّ الهدوء النسبي لا يدوم، فالمعركة تنتقل إلى جميع تصرّفات (أمجد) اليومية، وإلى دورة لا تنتهي من الرفض والصراخ، إذ أصبحت تلبية رغباته الفورية هي الوسيلة الوحيدة لشراء هدوئه، و(سلمى) تائهة بين غضبها وخوفها من أن يتحوّل هذا العناد إلى أمر دائم. هذا الهاجس يلاحق أغلب الأمّهات، وهذا النمط من العناد المفرط هو علامة واضحة على أنّ العلاقة بين الأمّ وطفلها قد علقت في دائرة خاطئة لابدّ من كسرها. أيّتها الأمّ، إن أردت تغيير هذا السلوك، فعليك بإدراك أنّ للعناد فصولا، ولكلّ فصل مفهوم يناسبه، ويمكن تقسيمه كالآتي: الفصل الأول: عناد النمو: عندما تكون كلمة (لا) علامة على التقدّم: في الحقيقة ليس كلّ عناد سلبيا، فالعناد إحدى اللبنات الأساسية لتشكيل شخصية الطفل المستقلّة، فعندما يصرّ طفلك على قول (لا)، فاعلمي أنّه بدأ يبحث عن استقلالية للنفس واستكشاف حدود الذات، فبين عمر (3ـ5) سنوات يبدأ الطفل بإدراك أنّه فرد منفصل عن والديه، ويمتلك إرادة خاصّة، وكلمة (لا) هي أقصر طريق لإعلان هذه الاستقلالية، وجدال الطفل هو محاولة منه لفهم حدوده، وعناده هو طريقته لاختبار متانة هذه الحدود التي وضعها الوالدان، وعن طريقها سيدرك هل سيثبتان على رأيهما أم يتراجعان تحت الضغط، وهذا النوع من العناد يكون مرحليا مرتبطا بمراحل عمرية خاصّة كعمر العامين، أو مرحلة المراهقة، ولا يعيق هذا النوع حياة الطفل الاجتماعية أو الأسرية بشكل كبير. الفصل الثاني: العناد المفرط، ومتى يجب أن نقلق؟ ينبغي أن نعلم أنّ العناد المرضي أو المفرط يختلف عن العناد الطبيعي في الشدّة، والتكرار، والتأثير، إذ يصبح سمة دائمة في شخصية الطفل وليس مجرّد نوبة عابرة؛ لذلك عزيزتي الأمّ انتبهي إن لاحظت العلامات الآتية: 1 ـ التكرار والشدّة: نوبات الغضب والعناد تحدث بشكل متكرّر وتستمرّ لمدّة طويلة وبشدّة عالية. 2 ـ التحدّي المتعمّد: يتجاوز الأمر رفض الأوامر إلى تحدّي القواعد الأساسية والأعراف الاجتماعية بشكل متعمّد وبطريقة عدائية. 3 ـ التأثير السلبي في الحياة: عندما يؤثّر العناد في علاقة الطفل بأقرانه، وفي تحصيله الدراسي، وفي حياته الأسرية بشكل عام، ممّا يخلق جوا من التوتّر الدائم. 4 ـ الرفض المستمرّ: رفض الطفل لأيّ نوع من السلطة، ليس فقط من الوالدين، بل من المعلّمين وأيّ شخص بالغ. هنا عليك القلق، ففي هذه الحالات قد يكون العناد دليلا على مشكلة أعمق، كوجود صعوبات في المعالجة الحسّية وبعض الاضطرابات، ومن الممكن أن تؤدّي إلى القلق أو الاكتئاب عند الأطفال، ممّا يستدعي مراجعة المتخصّص في الصحّة النفسية للأطفال. الفصل الثالث: استراتيجيات التربية الإيجابية لكسر دائرة العناد: في هذا الفصل يكون الهدف هو كسر الحلقة المفرغة من عناد، وصراخ، واستسلام، ومكافأة السلوك السلبي عبر الخطوات الآتية: 1 ـ كسر قاعدة (الاستسلام للبكاء): يجب التوقّف عن مكافأة السلوك العنيد، وعدم تنفيذ طلب الطفل، وربّما يكون ذلك صعبا في البداية ويزداد بكاء الطفل، لكنّه ضروري؛ لأنّه سيتعلّم أنّ البكاء لم يعد يجدي نفعا في تلبية مطالبه، وهو الخطوة الأولى التي ستجعل طفلك أقلّ فوضوية وأكثر حكمة في التحكّم بسلوكياته عندما يصبح مراهقا. 2 ـ التحقّق من المشاعر وتسميتها بثبات: تواصلي مع طفلك العنيد في أثناء نوبته بهدوء حازم، فهذا يعلّمه أنّ مشاعره مسموعة ويعطيه شعور بأنّه أقرب من أن يرفض بقسوة، بيد أنّ القواعد غير قابلة للتفاوض. 3 ـ إعادة بناء النظام: النظام الثابت هو الحلّ الأمثل، فعندما يعرف الطفل ما المتوقّع منه في كلّ حين كوقت الطعام، ووقت النوم، ووقت اللعب، فستقلّ حدّة الاختلاف والعناد. 4 ـ الثناء على المجهود وليس النتيجة: عندما يتعاون الطفل حتى لو بشيء يسير، قومي بالثناء عليه فورا، فهذا الأمر يعزّز من السلوك الإيجابي لديه. وأخيرا، عزيزتي الأمّ، اعتني بنفسك جيّدا، فالتعامل مع عناد مستمرّ مرهق جدا؛ لذلك خذي قسطا من الراحة، واعلمي أنّك لست أما سيّئة، بل أنت في تحدّ تربوي يحتاج إلى الصبر والدعم، ولا تتوقّعي النتائج بين ليلة وضحاها، فعناد طفلك ليس حربا شخصية ضدّك، بل هو رحلته لاكتشاف ذاته والعالم من حوله، ومهمّتك ليست إخماد هذه الإرادة الناشئة، بل توفير البيئة الآمنة والحدود الداعمة، وتوجيه النمو في الاتجاه الصحيح، فمع الصبر والكثير من الحبّ، تزهر هذه الإرادة القوية لتصبح قوة إيجابية تميّز الطفل في المستقبل.