الزهرة الثالثة

زهراء سالم الجبوريّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 59

(ياسر) طفلٌ يحبّ الزّهور، كلّ يوم عندما يستيقظ صباحا، يتّجه إلى حديقة منزلهم الكبيرة، ليستنشق عبير الزهور، ويسقيها، ويهتمّ بها كثيرا، ويساعد والده في زرع بعض البذور، وذات يوم دنا (ياسر) من إحدى الزهور وأخذ يسقيها وينظر لها باعتزاز، كأنّها شيء يخصّه، فقال لوالده: ـ هناك زهرة ثانية خلف شجرة الرمّان. فابتسم الأب وقال: ـ وستولد اليوم الزهرة الثالثة. فرفع (ياسر) رأسه، وفتح عينيه بدهشة: ـ أين؟ ما اسمها؟ ما لونها؟ ضحك الوالد وقال: - يا بنيّ، إنّها ليست كأيّ زهرة، إنّها زهرة بيت النبوّة. - لم أفهم شيئا يا أبي. - أعني بذلك ولادة السيّدة زينب (عليها السلام)، أحدّثك عنها؟ - نعم يا أبي. جلس (ياسر) يصغي إلى والده بشغف وهو يعرّفه بالسيّدة زينب (عليها السلام): ـ السيّدة زينب (عليها السلام) هي ابنة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، والدتها السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولدت السيّدة زينب (عليها السلام) في الخامس من جمادى الأولى سنة (6) هجريّة، بعد ولادة الإمامين الحسنين (عليهما السلام)، فقال (ياسر) لوالده: - لهذا السبب قلت لي: الزهرة الثالثة. - نعم يا حبيبي، ولدت في بيت أبيها عليّ (عليه السلام) وأمّها فاطمة (عليها السلام) وهو أشرف بيت عرفه التاريخ، وعندما ولدت حملها والدها وذهب إلى جدّها النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال له: "يا رسول الله، سمّ هذه المولودة، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): "ما كنت لأسبق ربّي، فنزل جبرائيل (عليه السلام) وقال: إنّ الله يقرئك السلام، ويقول لك: سمّ هذه المولودة زينب"(1). فاستفهم (ياسر) والده: ـ لماذا اختار الله سبحانه اسمها؟ ـ لعظمتها، وقدسيتها. - وماذا يعني اسم (زينب) يا أبي؟ - أحسنت يا ولدي، سؤال جيّد، يتكوّن اسمها من مقطعين (زين) وتعني زينة أو جمال، و(أب) أي أبيها، وهناك معنى آخر هو اسمٌ لشجرة طيّبة ذات رائحة عطرة، قوية الجذور، دائمة الخضرة، تضرب بها الأمثال في الثبات والصبر. - لي سؤال آخر يا أبي. - اسأل يا ولدي، سأكمل غرس هذه البذرة وأجيب عن جميع أسئلتك. - هل للسيّدة زينب (عليها السلام) ألقاب؟ - نعم يا ولدي، وكلّ لقب يعبّر عن جانب من شخصيتها العظيمة ومواقفها البطولية، فمن ألقابها: (العقيلة، أمّ المصائب، الحوراء، زينب الكبرى، الغريبة، الصبورة، كعبة الأحزان)، وغيرها من الألقاب الأخرى. ـ شكرا يا أبي، يا لها من معلومات قيّمة، فقد عرفت أشياء عن مولاتي زينب (عليها السلام) في ذكرى ولادتها. وأخذ (ياسر) ينظر إلى زهرته الجميلة، ويشمّ عبيرها، ونادى والده: - أبي، أبي. - نعم (ياسر)، هل تحتاج إلى المساعدة؟ -لا، لكن أريد أن أقطف هذه الزهرة العزيزة. ـ لماذا تقطفها؟ هل تريد أن تقدّمها لأحد ما؟ - نعم يا أبي، أريد أن أقدّمها لأمّي بمناسبة ولادة مولاتنا زينب (عليها السلام)؛ لأنّ اسم أمّي يشبه اسمها. - بارك الله فيك يا ولدي. وبعد ساعة دخل (ياسر) على أمّه وهي تطهو الطعام، وقف أمامها وهو يخفي وراء ظهره شيئا، وقال: ـ أمّاه، أنا فرحٌ جدا. - وما يفرحك يا حبيبي. - قبل ساعة حدّثني والدي عن سيّدة عظيمة، إنّها مولاتنا الحوراء زينب (عليها السلام) وعرفت أنّ اسمك يشبه اسمها، وكانت شجاعة، صبورة، قلبها كبير، وقلبك كبير كقلبها. ثم أخرج من وراء ظهره وردة بيضاء، وقال: هذه لك، لأنّك زينة قلبي، مثل ما كانت زينب (عليها السلام) زينة لأبيها. ابتسمت الأمّ، ودمعت عيناها، واحتضنت (ياسر)، وفي تلك اللحظة شعر (ياسر) أنّ قلبه امتلأ نورا، كأنّ الوردة تفتّحت بداخله أيضا. ................................ (1) العقيلة والفواطم (عليها السلام): ص11.