الصّحةُ النّفسِيَّةُ المَدرَسِيَّة
تشكل المدرسة جزءاً مهماً من حياة الطفل، وليست مجرد مكان يمضي فيه غالبية نهاره، بل إنّها تمثل مجتمعاً بحد ذاته يسهل تنشئته الاجتماعية ونموه. توفر الصحة النفسية المدرسية مجموعة من البرامج والخدمات المعزّزة للصحّة النفسية في المدرسة، ومن ضمنها: تحسين البيئات، والتدريب على المهارات التعلميّة والحياتية الاجتماعية والعاطفية وتعزيزها بصورة عامة، وتجنّب المشكلات العاطفية والسلوكية، وتحديد هذه المشكلات ومعالجتها في مرحلة مبكرة. إنّ المدارس هي بيئات بالغة التعقيد تؤثر في الصحة النفسية بطرائق مختلفة، قد تكون المدرسة المكان الذي تظهر فيه علامات الضيق النفسي أو الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه/ فرط النشاط، وذلك عن طريق علاقة التلميذ بأصدقائه وأساتذته أو عن طريق أدائه المدرسي، ومن ثمّ لا يجب التغاضي عن أي تغيير مفاجئ في سلوك الطفل أو أدائه، بل ينبغي أخذه بنظر الاعتبار وتقييمه بجديّة وقد تؤثر المدرسة إيجابياً أو سلبياً في صحة التلميذ النفسية، فهي مكان مثالي لتعزيز الصحة النفسية الإيجابية لدى الشباب عبر توفير بيئة آمنة وداعمة، والترويج لبرامج مكافحة المخدّرات.. وفي المقابل ثمّة مجموعة من الصعوبات المتعلقة بالمدرسة والتي يجب معالجتها، مثلاً: • التنمّر: يُعرّف التنمّر بأنه استغلال الشخص لقوته أو مكانته لتخويف شخص آخر أقل قوة أو مكانة أو إيذائه أو أهانته، ويُقسم على أنواع متعددة: الجسدي، والكلامي، والاجتماعي، ويُشار إلى أنّ التنمّر والسلوك العنفي أكثر انتشاراً لدى الصبية مقارنةً بالفتيات، وأمّا الفتيات فيملنَ إلى استخدام التنمّر الكلامي. إنّ بعض التلاميذ يتغيّبون عن المدرسة بسبب الخوف من المهاجمة أو التخويف من قبل الأقران، وقد يعاني ضحايا التنمّر أيضا من مشكلات تعلّمية في المدرسة. • اضطرابات التعلم: تتصف اضطرابات التعلم لدى الأطفال والمراهقين بقصور الإنجاز الأكاديمي من جهة القراءة أو التعبير الكتابي أو الرياضيات نسبة إلى القدرة الفكرية الإجمالية للطفل، وغالبا ما يواجهون صعوبات في مجاراة أقرانهم في بعض المواد الأكاديمية، بينما يتميزون في مواد أُخر. عندما يتمّ اختبار الإنجاز الأكاديمي مع قياس القدرة الفكرية، يؤدّي هذا التقييم النفسي - التعليمي إلى تحديد مشكلات التعلّم، ويحتاج الأطفال والمراهقون الذين يعانون من اضطرابات في التعلّم إلى خدمات أكاديمية خاصة، وتجدر الإشارة إلى أنّ قدراتهم الفكرية ليست أقل من الآخرين في العمر نفسه، فصحيح أنّهم يتطلبون أنواعاً محددة من التعليم إلا أنهم قادرون تماماً على الوصول إلى المستويات ذاتها كالآخرين إذا عُدّل النظام ليناسب احتياجاتهم. • التسرّب المدرسي: قد يتسرب الأطفال والمراهقون من المدرسة لأسباب متعدّدة، فقد يعاني بعضهم اضطرابات في التعلّم، أو يتعرّض بعض الآخر للتنمّر، فيما يُصاب آخرون بالاكتئاب أو الذهان أو أيّ اضطراب نفسي آخر، علاوةً على ذلك، قد تساهم عوامل اجتماعية أُخر في التسرّب المدرسي، لاسيما فقر الأسرة، حيث يترك الأطفال والمراهقون الدراسة للعمل والمساهمة في دخل الأسرة. • اضطراب نقص الانتباه/ فرط النشاط: يتّصف هذا الاضطراب بقلّة انتباه مستمرة، ومستويات من النشاط والاندفاعية لدى طفل أو مراهق تفوق تلك المتوقّعة من شخص من العمر ذاته وبمستوى النمو عينه، ولكي يتمّ تشخيص هذا الاضطراب يجب أن تكون الأعراض: 1. قد اكتُشفت في سنّ أصغر من 7 سنوات. 2. قد ظهرت في إطارين على الأقل. 3. مؤثّرة في الأداء الاجتماعي أو الأكاديمي. يتعرّض الصبية لهذا الاضطراب أكثر من الفتيات، ويتمّ تشخيصه عادةً بين الثامنة والعاشرة من العمر، علما أنّه ينشأ قبل سنّ السابعة، والأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب يجدون صعوبة في إنهاء أيّ نشاط يتطلب تركيزاً ويبدو أنّهم لا يستمعون لأي شيء يُقال لهم ويتسمون بنشاط مفرط غالباً كالركض أو التسلّق في أوقات غير ملائمة، أو التلوي أو القفز خارج مقاعدهم, ويُشتت تركيزهم بسهولة، ويتحدّثون من دون توقف، ويتسرّعون في إعطاء الإجابة قبل انتهاء السؤال ويستصعبون جداً انتظار دورهم في الألعاب أو المجموعات, وقد يعانون من صعوباتٍ خاصة في التعلّم, وقد تكون هذه المظاهر السلوكية حادة, فيواجه الأهل صعوبات في تهذيب الطفل، ويغيظهم السلوك الانفعالي ومخالفة تعليماتهم وفي المدرسة يكون أداء الطفل في الصف ضعيفاً، وأنّ المعلّم يغتاظ لعدم قدرة الطفل على الجلوس بهدوء، ولمقاطعته الدروس وتشويشها باستمرار عند اللعب، ويُغضب الطفل زملاءه لعدم قدرته على انتظار دوره. العلاج: قد يشمل استخدام برامج تعليمية خاصة لمساعدة الطفل على المجاراة من الناحية الأكاديمية، إلى جانب الأدوية والعلاج النفسي ويستجيب 70 إلى 80% من الأطفال الذي يعانون اضطراب نقص الانتباه/ فرط النشاط للعلاج بالأدوية، ما يعطيهم فرصة لتحسين انتباههم، وإنجاز المهام بشكل أفضل، والسيطرة على السلوك الانفعالي. أمّا العلاج النفسي فيمكّن الأطفال من التكيّف مع الاضطراب الذي يعانونه وردود فعل الآخرين حياله، ويرتكز جزء أساسي من العلاج النفسي على عمل الطبيب النفسي أو الاختصاصي النفسي مع الطفل والأهل لوضع تقنيات لمعالجة السلوك.