كوب من السّعادة

سارة عبد الله الحلو/ كربلاء المقدسة
عدد المشاهدات : 12

كانت تحوم حول ذاكرتها، اشتاقت إلى صباحاتها، إلى كوب من الشاي أو كوب من السعادة، اشتاقت إلى فرشاة التلوين التي رسمت بواسطتها الغيوم، وجدائل من الخيوط التي حاكتها والدتها ضفائر، كلّ شيء كان يسبح في نقاء، كانت ذكريات لحياة صادقة، تكتب على بياض السحب حكاياتها. سعادة فائقة الاشتعال. كانت تحتسي سعادتها عبر إبريق شاي موغل في القدم، في كلّ مرّة كانت ابنتها تهمّ بإلقائه في القمامة. هذه أنا سارة وذكرياتي مع أمّي. رياح الحنين دفعتني إلى الإبحار في ذكريات الطفولة؛ لأنقل لكم حروفي المتجدّدة، على الرغم من تجاعيد الزمن، ومن وسط رتابة الكلمات، أكتب لكم الآتي: مرّة تلو الأخرى عندما كنت أعيد ترتيب الأشياء أرمي بذلك الإبريق في سلّة المهملات، لكن أتفاجأ مرّات كثيرة بوجوده أمام ناظريّ. إبريق من الشاي مع حبّات من الهيل وسكّر زيادة وشعيرات من الزعفران، هذا المنظر كان يصنع صباحاتنا الجميلة، كبرنا وكبر معنا ذلك الإبريق، تفوّق على أواني الحداثة في قلب أمّي، كنت كلّما سارعت لتنظيف المطبخ، ألقيته في سلّة القمامة، وغطّيته عن الناظر لهول حاله، ولشدّة ما أصابه من القدم، لكن أمّي كان لها رأي آخر، إذ كانت تعيده مرّة أخرى، وطالما حدّثت أمّي بأن ترميه، لكن لا جدوى. لها من أباريق الشاي ما ينافس سوق الصين الشعبية، لكنّها تحتفظ به، وبحسب قولها: إنّ الشاي في هذا الإبريق له طعم آخر. كبرنا وكبرت معنا الأشياء، وتأكّدت بعد سنوات، أنّ العمق في الأشياء هو من يصنع سعادتنا، وأنّ الحكاية الجميلة هي نسيج من الذكريات الصادقة، وأنّ التفاصيل القديمة هي مجموعة إرث ثقافي لابدّ من أن نتوارثه، وأنّ الوقت الجميل عمر ضائع لا يعوّض.