رياض الزهراء العدد 224 التوفيقات الإلهية
التّوفيق الإلهي في الثبات على الدين
إنّ الثبات على الدين ليس بالأمر الهيّن، بل هو من أعظم مقامات الإيمان، ودليل على صدق العبد في التزامه بشرع الله (عزّ وجلّ)، مثلما أنّه مقياس قوة الإنسان في مواجهة الفتن والمحن، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "يأتي على الناس زمانٌ الصابر على دينه كالقابض على الجمر"(1)، فالثبات على الدين والمبدأ والقيم الأخلاقية الرصينة نعمة عظيمة، لاسيّما في هذا العصر الذي شهد تغيّرات كبرى في المجتمعات، كانتشار ظاهرة التقليد الأعمى للغرب بشكل واسع، حتى نسي بعض الناس أنّهم ولدوا مسلمين في بلاد الأنبياء والمرسلين، وخاتمهم رسولنا الكريم محمّد (صلّى الله عليه وآله). إنّ الركض وراء كلّ ما هو متداول ومستساغ من دون تمحيص آفة خطيرة، تلتهم الأفراد والمجتمعات من دون أن يشعروا. وفي ظلّ هذا الواقع المضطرب، يعدّ الثبات على الدين توفيقًا إلهيًا عظيمًا، ومن يوفّق إليه يعدّ أنموذجًا يحتذى به، ويغبط على عزيمته وتحمّله شتّى أنواع الألم والمكابدة، بخاصّة مع كثرة مغريات الدنيا، وانتشار الانحراف عن القيم. والثبات لا يقتصر على الجانب العقائدي فقط، بل له صور متعدّدة تشمل مختلف مجالات الدين كالسلوك وغيره، منها: - الثبات عند البلاء: فعن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: "إنّ الله تبارك وتعالى إذا أحبّ عبدًا غتّه بالبلاء غتًّا، وثجّه بالبلاء ثجًّا"(2). - ثبات العقيدة في زمن الغيبة: فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: "من ثبت على ولايتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد، مثل شهداء بدر وأحد"(3). - الثبات على أداء العبادات: فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلوات كيف محافظتهم عليها، وإلى أسرارنا كيف حفظهم لها، وإلى أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها"(4) - الثبات الفكري: الصمود أمام التيّارات الفكرية المنحرفة، والردّ على الشبهات. - الثبات الأخلاقي والسلوكي: يظهر في الالتزام بالأخلاق الإسلامية في السلوك اليومي، كالصدق، والأمانة، والحلم، والعفّة، والحياء. إنّ الثبات لا يعني ترك المعاصي فقط، بل هو وعي، وصبر، وبصيرة، ومقاومة داخلية متواصلة، وهو نعمة لا تنال إلّا بتوفيق الله تعالى، لذلك نحن دائمًا بحاجة إلى الدعاء للثبات على الطريق المستقيم، مثلما جاء في قوله تعالى حكاية عن المؤمنين: )ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا( (آل عمران:8). ....................... (1) بحار الأنوار: ج 28، ص47. (2) ميزان الحكمة: ج1، ص 307. (3) المصدر السابق: ج1، ص 180. (4) وسائل الشيعة (آل البيت): ج4، ص112.