الهداية والقيادة للإمام الغائب (عجّل الله فرجه)

رجاء علي البوهاني/كربلاء المقدّسة
عدد المشاهدات : 24

إنّ إحدى أكثر التساؤلات التي تُثار في قضية الاعتقاد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف) بخاصّة ممّن لا يعتقد بولادته وغَيبته، هي مسألة استفادة الناس من إمامته وهو غائب عنهم، فإذا كانت الهداية والقيادة هي الأثر البارز للإمامة، فكيف تتحقّق هذه الاستفادة من إمامته وهو غائب؟ قد أجاب رسولنا الكريم (صلّى الله عليه وآله) عن أسئلة كهذه عندما سأله جابر بن عبد الله الأنصاري حين قال: هل ينتفع الشيعة بالقائم في غَيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله): "إي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غَيبته كانتفاع الناس بالشمس وإنْ جلّلها السحاب"(1). إنّ أعظم وظيفة للإمام (عجّل الله فرجه) تتحقّق للمؤمنين وإنْ كان غائبًا عنهم، ألا وهي الاستضاءة بنور ولايته وهدايته، فهو واسطة الفيض الإلهي للهداية والإيمان، فنور الوجود والعلم والهداية يصلنا عن طريقه، فإنّ كلّ ما يستشعره المؤمن من إيمان ومحبّة لله تعالى ولرسوله ولأهل البيت (عليهم السلام) هي بتأثير الإمام الحجّة (سلام الله عليه)، وقد سأل أبو خالد الكابلي الإمام الباقر (عليه السلام) عن قوله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير (التغابن:8)، فقال (عليه السلام): "يا أبا خالد، النور واللهِ الأئمة من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة، وهم والله نور الله الذي أنزل، وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض، والله يا أبا خالد لَنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار.."(2). إذًا نحن نستضيء بنور هداية الإمام (عجّل الله فرجه)، وبرعايته وتدبيره في زمن الغَيبة، وغَيبته لا تعني عدم الاستفادة من وجوده، فإنّ الإمام إمّا ظاهر مشهور، وإمّا غائب مستور، وكلٌّ منهما يعمل بوظيفته في هداية الناس والعمل على صلاحهم، فيقول (عجّل الله فرجه الشريف) في رسالته الأولى إلى الشيخ المفيد (قدّس سّره): "فإنّا يحيط علمنا بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم...، إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله..."(3). فغَيبته (عليه السلام) لا تلازم عدم الاستفادة من وجوده أو تصرّفه، بل كلّ ما في الأمر أنّنا نجهل شخصه ولا نعرفه إنْ مرّ من بيننا، فمثلما أنّنا ننتفع من الشمس وإنْ كانت خلف السحاب، فكذلك وجوده المبارك ينوّر قلوبنا ويهدينا سبيل الرشاد. ........................ (1) بحار الأنوار: ج52، ص 93. (2) الكافي: ج1، ص194. (3) تهذيب الأحكام: ج1، ص38.