رياض الزهراء العدد 225 هندسة الحياة
عكس التيار
أفكار وغايات ومآرب تتصارع في ضمن حيّز صغير يضجّ بالأصوات المتعالية التي تدافع عن فكرة ما، وتعادي الأخرى، كلٌّ يريد أنْ يشدّ ويسحب ذلك الإنسان باتجاهه، ويكسبه بوصفه رقمًا يتحقّق عن طريقه الفوز، ورفع رايات الانتصار بزيادة عدد أفراد فريقه، وهناك مَن تكون خائرة القوى لا تقوى على الرفض أو إعلان رأيها المتواضع وسط بيئة مليئة بالنُسخ الخالية المضمون. نجد هناك الكثير ممّن يقاومون في خضمّ الأمواج العاتية التي تحاول اقتلاع الأشخاص من الجذور بما يمتلكونه من قِيم ومبادئ وأفكار أصيلة، فهناك مَن يتزحزحون عن مكانهم، وهناك مَن لا يتحرّكون قيد أنملة من مكانهم، فكلّما كان الأساس متينًا وله دعائم راسخة في قاع الذهن وباطن الروح المرتبطة بالعقيدة الحقّة، كان الثبات أكبر وأقوى. نحن في بيئة مليئة بالنُسَخ التي تحيط بنا من كلّ حدب وصوب، فلم نعد نميّز الأشخاص عن بعضهم، إذ أصبحت الوجوه متشابهة بدرجة مخيفة، والأصوات تدعو إلى المضي قُدمًا في هذا الاتجاه، وأصبحت النظرات المريبة تُطال مَن هو خارج هذا السرب باستغراب، ومَن يتمسّكون بالقيم والمبادئ هم الغرباء بين الآخرين، وهم الشاذّون عن القاعدة. نعم، ذلك هو العالم الحديث الذي يريدونه خاليًا من كلّ قيمة ثريّة، هشًّا من الداخل وعائم الأفكار والأهداف، يريدون فقط المضي قُدمًا مع التيار أيًّا كان، ومتى وكيفما كان، فالهدف هو البقاء في الصدارة وعلى شاشات الجوّال. هنا يجب أنْ نتوقّف قليلًا، ونتنفّس الصعداء؛ لنتّخذ القرارات الصحيحة بشأن ما يحدث؛ كي لا ننجرف مع تلك الأمواج العاتية، نعم، نحتاج إلى برهة من الزمن كي نعمل بجدّ وقوة بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى، فكلّ خطوة قادمة هي جهاد للنفس وقوة في الإرادة؛ لأنّ السَير عكس التيّار هو من أصعب الأمور التي تحتاج إلى تحصين وإيمان قوي وراسخ جدًا. إنّ ما يحدث هو التيّار والسيل العارم، فالتيّار يسير بكِ نحو مواكبة أحدث صرعات الموضة، حتى وإنْ كان يعني ذلك ارتداء الشاب بنطالًا ممزّقًا من كلّ الجهات، أو تدلّي خصلات شعر ملوّنة، بل تصل الدرجة بإحداهنَّ إلى حدّ تكسير أضلاع من الجسد للتشبّه بفلانة من المشاهير، أو جعل الوجه أشبه بقناع من البلاستك المرسوم بدقّة متناهية. هنا يجب أنْ نسأل أنفسنا: أين نحن ممّا يحدث؟ وماذا سنترك لأبنائنا من قيم ومبادئ ليقتدوا بها؟ عندها سنمضي عكس التيّار بكلّ إرادة قوية وأساس راسخ متين، مستمدّ من إيمان قوي وعقيدة لا تلين.