رياض الزهراء العدد 225 ألم الجراح
سامراء تنزف لجراح الزهراء (عليها السلام)
يا سامراء.. يا مدينةً قامت على نهر الحنين، تخفي في أزقتها أسرار أئمةٍ رحلوا، وتنشر في فضائها نور غربةٍ مقدسة، كأن حجارتك تحفظ وصايا الأمهات وتنهيدات الأبناء.. ففي ذكرى ميلاد الزهراء (عليها السلام)، تعود القباب لتتلو سيرة النقاء، كأن وجهها يشرق في المرايا، يذكرنا أن الطهر يولد من قلب المحن، وأن الحياة بلا قداسة.. عطش أبدي.. وفي ذكرى استشهادها (عليها السلام)، تسيل الذاكرة كدمعٍ منقوع بالرماد، البيت الصغير الذي أحرق، يعود ظله في أزقة سامراء.. كأن الجدران تنطق بالآهات، وتحمل شقوقها أثر الأبواب المكسورة.. صدى الضلع الموجوع ما يزال يتردد، يخبر المارة أن الألم لم يزل باقيًا، وأن نار ذلك البيت لم تخمد في قلوب العاشقين.. كأن المدينة تتألم كلما مرت رياح الذكرى، وتهمس: أيها العابرون!. هنا بقايا وجع الزهراء (عليها السلام). يا سامراء.. بين ولادة الزهراء (عليها السلام) وشهادتها، تعلميننا أن الأرض لا تقدسها المآذن وحدها، بل دمعة مظلومة، وأنفاس مقدسة، ووصية أبدية بين ضريحين.. سامراء شاهدة.. والزهراء (عليها السلام) شفيعة.. وفي ميلادها واستشهادها، يجتمع الفرح والحزن في قلب واحد، قلب ما يزال ينتظر صباحًا لا يغتال فيه النقاء. سامراء.. يا نبض قلوبنا، خذي بناصية المركب نحو ضفافٍ يضيئها وجه البتول (عليها السلام).. هنا، بين جدرانك الصامتة، ترقد ذاكرة الأئمة، كأنهم سنابل قمحٍ وورود كرمٍ معطرة بأريج الصباح، مبللة بدموع الفجر، تستحم بدمعٍ مسفوحٍ على ترابٍ مقدس.. يا بنة النهرين، ألا تسمعين وقع خطى الزهراء (عليها السلام)؟ تأتيك في ميلادها صبحًا نقيا، وتعود في استشهادها ليلًا مثقوبًا بالوجع، سيدة النقاء التي أوصت: لا تنطفئ مصابيح البيت ولو خمدت الأنفاس بين الجدار والباب.. يا سامراء أخبري العابر لحدود ساحات المعصومين (عليهم السلام) أن في كفي الزهراء (عليها السلام) ماءً لا يجف، وأنها وإن وارتها المظلومية، فما تزال تضمد جرح المدن.. يا زهرةً حملتها السماء إلى الأرض، وبذرتها في كل أرضٍ مرويةٍ بالدمع، عودي إلينا في قباب سامراء، كوني قافيتنا التي لا تنزع من الشريان، وازرعي في جدائل المدينة نورًا لا يطفئه الزمن، ولا يمحى حتى قيام الحجة (عجل الله فرجه)..