عبد الله وآمنة (عليهما السلام): زواج كتبته السماء
يوزن النسب بالذهب، والشرف يكتب في سجلات ذاكرة القبائل في قلب مكة المكرمة. اصطفى الله سبحانه عبده عبد الله بن عبد المطلب (عليهما السلام) ليكون أبًا لخاتم الأنبياء (صلوات الله عليه)، ولم يكن عبد الله (عليه السلام) رجلًا عاديًا، فقد كان طاهرًا يحيطه الطهر من كل جانب، ويشرق نور خاص من محياه، حتى رأت العرب في وجهه علامةً لم يألفوها من قبل، شيئًا ربانيًا يرافقه، يحس ولا يعرف سببه لدى أهل الأرض وهو معلوم لأهل السماء، أما آمنة بنت وهب (عليها السلام) فهي درة من بيت زهرة عرفت بالطهر والنقاء، اجتمع فيها الجمال والخلق والنسب الرفيع لتكون الأم التي أعدها الله لاحتضان أشرف خلق الله تعالى. لم يكن اقترانهما وليد الصدفة، بل كان تدبيرًا ربانيًا محكمًا، فقد شاء الله تعالى أن يختار عبد الله (عليه السلام) من بين إخوته بعدما نذر عبد المطلب (عليه السلام) أن يقدم واحدًا من أولاده قربانًا، فإذا بالقرعة تقع على عبد الله (عليه السلام)، وفي لحظة فارقة بين الفداء والهلاك، شاءت العناية الإلهية أن يفدى عبد الله (عليه السلام) بمئة من الإبل ليبقى حيا ويهيئ لحمل سر أعظم في صلبه، كان ذلك الموقف أشبه بإشارة خفية إلى أن هذا الولد ليس كسائر الأولاد، وأن الله تعالى ادخره لمهمة أعظم من حدود مكة والجزيرة العربية. كان زواجهما ميثاقًا إلهيا، فلم يكن عبد الله وآمنة (عليهما السلام) مجرد زوجين، بل كانا حلقة في سلسلة النور التي انتقلت عبر الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة حتى استقرت في بيت صغير لكنه كان بوابة لولادة الرحمة المهداة إلى العالمين. ولم تمض الأيام طويلًا حتى رحل عبد الله (عليه السلام) عن الدنيا وهو في ريعان الشباب، تاركًا آمنة (عليها السلام) تحمل سر السماء في أحشائها. شاء الله تعالى أن يولد النبي (صلى الله عليه وآله) يتيمًا، فسبقت وفاة عبد الله (عليه السلام) مولد النبي (صلوات الله عليه) بشهرين، إشارةً إلى أن هذا الطفل لن ينشأ كسائر الأطفال، بل سيكون منذ أول لحظة مكلوءًا بعين الله تعالى وحفظه. وقد وردت أحاديث كثيرة بشأن ولادة النبي (صلى الله عليه وآله)، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء"(1)، وعن الإمام الكاظم عن آبائه (عليهم السلام): "إن آمنة بنت وهب -عليها السلام- رأت في المنام أنه قيل لها: إن ما في بطنك سيد، فإذا ولدته فسميه محمدًا، فاشتق الله له اسمًا من أسمائه، فإن الله المحمود وهذا محمد"(2)، وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: "نزل جبريل على النبي - صلى الله عليه وآله - وقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام ويقول: إني حرمت النار على صلب أنزلك، وبطن حملك، وحجر كفلك، فالصلب صلب أبيك عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب"(3). ........................ (1) الاحتجاج: ج1، ص170. (2) المصدر نفسه: ج1، ص321. (3) الكافي: ج1، ص446.