البعد الاجتماعي في حديث السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عن الجار

م. م عبير سليم حسن الحلبيّ/ بغداد
عدد المشاهدات : 23

إن التأمل والبحث في تراث السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) يعد إنارة في عقول المفكرين، فعن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أنه قال: "رأيت أمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني، الجار ثم الدار"(1). . نلاحظ أن العلاقة بين السيدة الزهراء (عليها السلام) والمؤمنين لا يمكن وصفها بكلمات، فأنها (عليها السلام) سر من أسرار الله تعالى، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: "لو حاول الناس جادين أن يعرفوا كنه فاطمة ما عرفوه؛ لأنهم فطموا عن معرفتها"(2)، وعنه (عليه السلام) في الصلوات عليها: "اللهم بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها"(3)، فعن أي سر يتحدث الإمام؟ إنها سر الله الأعظم، تلك الثمرة الطيبة التي أسكنت الجنة وأطعمت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ لتكون ابنته الحوراء الإنسية، وهي التي تزهر لأهل السماء والأرض بنورها، تخص الجار بحديثها، وكم نحن بحاجة إلى هذا الأمر ونحن نعيش زمن الفتنة والمواجهة الصريحة مع أعداء الدين، فلو أمعنا النظر بعين البصيرة في قولها (عليها السلام)، وهي تؤكد على حق الجار؛ لوجدنا لقولها بعدين: البعد الأول: أن المؤمنين المتمسكين بالعترة الطاهرة هم أحباب الزهراء (عليها السلام)، فهي لا تنفك عن الدعاء لهم وتسميهم بأسمائهم، وتدعو إلى الحفاظ على العلاقات الاجتماعية، ولعل أهمها هو حق الجار؛ لكونه أقرب شخص إلى العائلة، فالجيران يعيشون في بيئة واحدة، وهو أمر ذكر في القرآن الكريم، إذ قال تعالى: ( وبالوالدين إحسانًا وبذي القربىٰ واليتامىٰ والمساكين والجار ذي القربىٰ والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم) (النساء:36)؛ لذلك هي مسألة تكاملية في العلاقات الاجتماعية، ولها الأهمية البالغة في الحفاظ على وحدة المسلمين، وتأمين الاستقرار، والأمان، والتعايش السلمي بينهم. كذلك لو أمعنا النظر في مسألة الجار ووسعنا دائرة التحليل؛ لوجدنا أن الأمر يتعدى إلى دول الجوار أيضًا، فالإسلام وتشريعاته لم تخص قومية معينة ولا بلادًا محددة، وبما أن القرآن الكريم كتاب شامل وخالد، فهو يتعدى حدود الزمان والمكان، وكذلك قول السيدة الزهراء (عليها السلام)، فالأحداث التي تحصل في البلاد الإسلامية المجاورة، كالمواجهة العقائدية مع أهل الضلال، تستنزف أرواح المؤمنين، وتذهل لباب المفكرين، وتسقط أقنعة المنافقين، فهي (عليها السلام) توصي من وقع عليهم هذا الأمر من حيث الاهتمام والمساعدة والاحتواء، ذلك أننا أمة إسلامية واحدة، إذ قال تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامىٰ والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله به عليم) (البقرة: 215). إذًا هي فلسفة أخلاقية ذات قطبين، دعت السيدة الزهراء (عليها السلام) منذ ألف وأربعمئة ونيف من السنين، ونحن الآن نصدح باسمها من منطلق الوصية التي كلفنا بها، وهي الالتزام بما جاء به رسول الله وآل بيته (صلوات الله عليهم) إذ قال: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض"(4). أما البعد الثاني: فمن منطلق الإبداع الإعجازي، ووجود التجدد في الأحداث وتشابهها في آيات القرآن الكريم وفي أحاديث العترة الطاهرة (عليهم السلام)، فإن اهتمامها بالدعاء للمؤمنين إنما يبعث رسالة اطمئنان للمجتمع الإيماني بأن الإمام صاحب الزمان الحجة بن الحسن المنتظر (عجل الله فرجه) يراقب ويلاحظ ويدعو لشيعته المؤمنين، مثلما كانت جدته السيدة الزهراء (عليها السلام) تفعل، إذ يقول: "ولي أسوة بأمي فاطمة"(5)، فهي توضح ما مسؤولية المعصوم في كل زمان وفي كل مكان، فسلام على السيدة الزهراء حجة الله على الحجج، فقد ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) أنه قال: "نحن حجج الله على الخلائق، وأمنا فاطمة حجة الله علينا"(6). ......................... (1) بحار الأنوار: ج43، ص81ـ82. (2) الحق المبين في معرفة المعصومين (عليهم السلام): ص312. (3) المصدر نفسه. (4) بحار الأنوار: ج23، ص134 . (5) الأسرار الفاطمية: ص17. (6) المصدر نفسه.