طفلي والولد الآخر
بعد عودة ولدي الصغير من المدرسة، لاحظت علامات الحزن على وجهه، ونبرة صوته المتعبة حين ألقى التحية جعلتني في حيرة. وجدته جالسًا في زاوية الغرفة ورأسه بين ركبتيه، اقتربت منه وسألته بلطف: ـ ما بك يا عزيزي؟ هل حدث شيء ما؟ هل يمكنك أن تخبرني؟ لكنه امتنع عن الإجابة. بدأ الخوف والقلق يكبران بداخلي، وضعت يدي على رأسه وقلت: ـ لن يهدأ قلب أمك وهي تراك حزينًا، إن كانت هناك مشكلة، فسنحلها معًا. رفع رأسه بعينين مغرورقتين بالدموع وقال: ـ أحقا نحلها معًا؟ قلت: ـ بالتأكيد، فقط أخبرني وانظر كيف سأسندك. سكت قليلًا، ثم قال: ـ أحد التلاميذ في المدرسة ضربني وأخذ مني مصروفي، وعندما حذرته بأنني سأخبر المعلم، قال إنه سيكذب ويخبره أنني شتمته، وسيفصلونني من المدرسة. نظرت إليه بنظرة حازمة وسألته: ـ وهل شتمته فعلًا؟ رد سريعًا: ـ لا، لم أفعل، لكني خفت أن لا يصدقني المعلم، فسكت. وتابع: ـ كانت هذه الحادثة في الأسبوع الماضي، لكنه بدأ يهددني كل يوم، فأعطيه مصروفي خوفًا. لا أخفي عليكم، شعرت بنيران الغضب تلتهب في صدري وأنا أستمع لولدي، لكنني تمالكت نفسي ووعدته أنني سأحل الأمر. في اليوم التالي ذهبت معه إلى المدرسة، وأخبرت المسؤول عن شؤون التلاميذ أني أريد أن أرى ذلك الولد. وحين جاؤوا به، اقتربت منه وسألته: ــ لماذا تفعل هذا بابني؟ ألم يعلمك والداك أن الله لا يرضى بهذا؟ وأن الظلم له عاقبة وخيمة؟ طأطأ الطفل رأسه خجلًا، وقال بصوت خافت: ــ لا، لأنهما ماتا قبل أن أتعلم منهما شيئًا. شعرت بوخزة في قلبي، فكم من الصعب أن يحرم طفل من حنان الأبوين، وكم من السهل أن ندين قبل أن نعلم الحقيقة. اقتربت منه، ووضعت يدي على كتفه وقلت: ــ يؤسفني ما مررت به، لكن هذا لا يبرر أذيتك الآخرين. خسارة الوالدين لا يعني خسارة الضمير. بكى كمن وجد من يسمعه أخيرًا. التفت إلى المسؤول وقلت: ـ أرجو أن يحصل هذا الطفل على الدعم والرعاية المناسبة، فربما لم يجد من يعلمه كيف يكون صالحًا. بعد ذلك اليوم، بدأ ولدي يذهب إلى المدرسة بقلب مطمئن، وذاك الطفل حصل على جلسات إرشادية، ووجد من يحتويه. علمت حينها أن كل طفل يخطئ، لكن وراء كل خطأ حكاية، وأن أجمل تربية لا تكون بالقسوة، بل بالرحمة، حين نختار أن نربي الإنسان ليفهم لا أن نحاكمه.