سيدة القلوب الصابرة

زهراء سالم الجبوريّ/ النجف الأشرف
عدد المشاهدات : 82

إنها الحادية عشرة صباحًا، بعد قليل سيبدأ درس التربية الأخلاقية، ذلك الدرس الذي تحبه الطالبات لأنه لا يتحدث بالكلمات فقط، بل يخاطب القلوب، ويسلط الضوء على المواقف والقصص والشخصيات التي تشبهنا. في هذا الوقت، كانت أشعة الشمس تتسلل من نوافذ الصف بهدوءٍ، والطالبات يجلسن على مقاعدهن وقد امتلأت عيونهن بالفضول: يا ترى، ما القيم التي سنتعلمها اليوم؟ رن الجرس ودخلت أستاذة التربية الأخلاقية، ألقت التحية على الطالبات ثم التفتت إلى اللوحة وبدأت تكتب العنوان: (أم البنين -عليها السلام- رمز الوفاء الصامت والتضحية العظيمة)، رفعت (نور) يدها وقالت: ـ أستاذتي، ما مناسبة هذا العنوان؟ ـ الأستاذة: إنه اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة، المصادف ذكرى استشهاد سيدة الوفاء أم البنين (عليها السلام)، في درس اليوم سنتعرف على قصة هذه المرأة العظيمة، فهي ليست فقط أما لأربعة أبطال، بل كانت رمزًا للوفاء والتضحية. رفعت (نور) يدها مرة أخرى، وقالت: ـ أستاذتي، هل هذا اسمها؟ ـ لا، اسمها فاطمة بنت حزام الكلابية. ـ إذن، لماذا لقبت بأم البنين؟ ـ لكي لا ترتسم ملامح الحزن على وجوه أبناء زوجها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). أخذت الأستاذة تحدث طالباتها عن سيدة الصبر والوفاء، فساد الهدوء في الصف، وبدأت الطالبات يصغين بانتباه، بينما واصلت الأستاذة حديثها، كأنها ترسم صورة تلك السيدة العظيمة أمام أعينهن، صورة تفيض بالحكمة، والحب، والتضحية، والولاء، ثم قالت: ـ الآن أريد من كل طالبة أن تنطلق من العنوان؛ لتكتب ماذا تعلمت من السيدة أم البنين (عليها السلام). أخذت كل طالبة قلمها بحماسٍ، تسطر في دفترها ما تعلمته من سيرة مولاتنا أم البنين (عليها السلام)، وكل واحدة تكتب بقلبها قبل يدها، كأنها ترسل كلماتها هديةً لتلك السيدة العظيمة. وبعد أن انتهين من الكتابة، نظرت الأستاذة إليهن مبتسمةً وقالت بلطفٍ: ـ الآن أريد أن أسمع أصواتكن الجميلة، فلتقرأ كل واحدة ما كتبته، ولتخبرنا كيف لامست حياة أم البنين (عليها السلام) قلبها. بدأت الطالبات يتبادلن النظرات، وكن بين الحماس والخجل، لكن شيئًا واحدًا جمعهن: الإعجاب بتلك السيدة التي علمتهن الوفاء من غير أن يرينها، رفعت الأستاذة رأسها وقالت: ـ من تبدأ أولًا؟ أريد أن أسمع منكن، ماذا تعلمتن من السيدة أم البنين (عليها السلام)؟ رفعت (أنفال) يدها وقالت بثقةٍ: ـ تعلمت منها أن أحب الحق أكثر من نفسي، وأن أكون قوية إذا خسرت شيئًا أحبه، مثلما قدمت هي أبناءها في سبيل الله تعالى فداءً للإمام الحسين (عليه السلام)، وبقيت صابرة محتسبة. ابتسمت الأستاذة وقالت: ـ جميل جدًا يا أنفال، ومن التالية؟ رفعت (حوراء) دفترها وقالت بخجل: ـ أنا، تعلمت من السيدة أم البنين (عليها السلام) كيف أكون وفية، فهي لم تنس الإمام الحسين (عليه السلام) حتى بعد استشهاد أولادها، بل كانت تبكي من أجله وتقيم مجالس العزاء حزنًا عليه، وهذا وفاء لا ينسى. قالت الأستاذة بتأثر: ـ بارك الله بك يا حوراء، وفاء أم البنين (عليها السلام) لا نظير له. رفعت (رسل) يدها وقالت بهدوء: ـ أما أنا، فتعلمت منها أن الأم لا ترعى فقط، بل تربي على القيم، هي ربت أبناءها على حب الإمام الحسين (عليه السلام) والدفاع عن الحق، ولهذا صاروا أبطال كربلاء. قالت الأستاذة بفخر: ـ نعم، أم البنين (عليها السلام) لم ترب أبطالًا بالسيوف، بل بالإيمان والتربية الصالحة. ثم رفعت (مروة) يدها وقالت بابتسامة: ـ تعلمت منها معنى الإيثار والتضحية، أن أفكر بغيري، وأن أقدم المساعدة حتى لو كان في قلبي حزن. أثنت الأستاذة عليهن وقالت: ـ كلامكن أبهج قلبي يا بناتي، فمولاتنا أم البنين (عليها السلام) تركت لنا دروسًا لا تكتب بالحبر فقط، بل تزرع في القلوب والأفعال.