العزلة الإيجابية: عودة إلى الذات ومفتاح للسلام الداخلي

أ‌.د. سعاد سبتي الشاوي/بغداد
عدد المشاهدات : 50

تعد العزلة الإيجابية عزلةً طبيعيةً يحتاجها الفرد بين الحين والآخر، فعن طريقها يسمح للعقل بالهدوء، والسكينة، والتركيز، وهذا الهدوء تحتاجه النفس في كل مرحلة وبعد كل مشكلة يمر بها الفرد لشحن النفس بالطاقة وتلمس المعرفة التي يحتاجها للتركيز عليها، والتأكد من السير على الطريق الصحيح(1). ويقصد بالعزلة الإيجابية الخلوة مع النفس لبعض الوقت؛ ليعيد الفرد حساباته وترتيب أولوياته، والتأمل الذاتي في مجريات الأمور، والتفكير العميق قبل اتخاذ القرارات الحاسمة في الحياة. ولابد من التفرقة بين العزلة الإيجابية والوحدة، فالعزلة الإيجابية اختيار هادف ومؤقت، تفتح للنفس نافذة على الذات، أما الوحدة فهي شعور داخلي قهري يغلق أمام النفس باب العلاقة بالحياة. والعزلة الإيجابية لا تحدث تلقائيًا، ولا تكتسب بالصدفة، بل تحتاج إلى عوامل داخلية وخارجية تهيئ النفس والعقل لتقبلها، وتحويلها من لحظة انسحاب إلى مساحة للنمو النفسي، والصفاء الذهني، ومن أبرز العوامل التي تسهم في تهيئتها هو الوعي الذاتي لدى الفرد، وإدراكه لحالته النفسية ليستشعر الحاجة للابتعاد المؤقت عن الضغوط، وتخصيص وقت محدد في اليوم أو الأسبوع للعزلة، وعدم تركها للظروف العشوائية، بل تهيئة البيئة الداعمة والمكان الهادئ الذي يحمل طاقة إيجابية ليشعر فيه بالراحة، وينفصل عن المشتتات الرقمية كالهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي التي تغرق النفس بالمقارنات والضوضاء النفسية، وضرورة تلقي الدعم النفسي من قبل المحيطين، ويتحقق ذلك بوجود من يتفهم الحاجة إلى العزلة من دون توجيه اللوم أو سوء الفهم، مع ممارسة الفرد المنعزل لهواياته المفضلة، والأنشطة التي تمنح النفس فرحًا وصفاءً. وتختلف العزلة الإيجابية من شخصٍ إلى آخر، فعلى الرغم من أن جوهرها إنساني مشترك، إلا أن الطريقة التي تتحقق بها تختلف بين الأفراد بفعل التكوين النفسي والواقع المجتمعي، فهناك من تكون عزلته غنية بالمشاعر والتأمل، وهناك من تكون عزلته غنية بالكتابة، والعبادة، أو الجلوس بصمت في ركنٍ دافئ. ولكي نبقي العزلة إيجابية من دون أن تنقلب إلى سلبية، علينا أن نراعي عددًا من الأمور، منها: أولًا: العزلة الإيجابية تولد من النية الهادفة لا من الانسحاب العاطفي، فكلما كانت النية واضحة كانت العزلة سليمة، كنية الفرد الركون إلى الهدوء من أجل التأمل والتفكر، أو لضبط التوازن في الأمور. ثانيًا: تحديد المدة لغرض الاستراحة بين فصول الحياة، وعدم إطالة العزلة بلا سقف زمني؛ لكي لا تتحول من تجديد إلى انغلاق. ثالثًا: إبقاء نافذة ولو صغيرة للتواصل مع شخص مقرب، أو كتابة الأفكار، أو الأحاسيس التي يمر بها الفرد. رابعًا: تقييم أثر العزلة دوريًا وذلك بطرح أسئلة من قبيل: هل أشعر بتحسن أم أنني أصبحت أكثر عزلة وانسحابًا؟ لأن هذا التقييم يمنع الانزلاق إلى العزلة الضارة. خامسًا: تنويع أنشطة العزلة، فحين تقتصر العزلة على الجلوس بصمت فقط، ستفقد معناها، لكن عند إثرائها بالأنشطة والهوايات المختلفة، كالرسم والمشي في الطبيعة وغيرها، فستصبح العزلة إبداعية. ...................... (1) العزلة الاجتماعية وأثرها على الفرد والمجتمع، الجامعة المستنصرية، كلية الآداب، قسم علم النفس: ص3.