رياض الزهراء العدد 79 من عبق الماضي
مِن الفُلكلُورِ السَّماويّ (الغليجة والأزر)
يعدّ العراق من البلدان التي تشتهر بالزراعة والصناعة، وبلد الحضارات والفنون عبر الأجيال؛ لذا تميّزت بعض مدنه بصناعات كانت وما تزال الفلكلور المميّز لها، والكثير من تلك الحرف اليدوية تمثل مصدراً مُهماً لدخل الأسرة وتعدّ من الوسائل الضرورية التي تستخدمها العائلة العراقية، ومن تلك الحرف هي صناعة السجاد (الغليجة) والأُزر، والغليجة هي عبارة عن سجاد مصنوع من الصوف يمتاز بجودة عالية يكاد يضاهي السجاد الإيراني في تلك المدة من الزمن، ومن المدن العراقية التي امتازت بحياكته مدينة السماوة العريقة، فالأراضي الزراعية الخصبة ساعدت على تربية الأغنام، ومن ثمّ استخدم الصوف منها لحياكة السجاد الذي يُفرش في البيوت، وتُزيّن به الجدران، وتُفرش به المضائف العشائرية. كانت معظم نساء العشائر تحوك السجاد ويكاد لا يخلو بيت منه، إذ يُصنع بحبكة وبنقشات بديعة يعبّر عن الذوق الفطري للمرأة السماوية، ويحاكي حياة الإنسان الريفي، ويُستخدم للجلوس والنوم، إذ يُعطي للجسم راحة لما يحتويه سطحه من خيوط صوفية وثيرة تشكّل طبقة مريحة بمثابة الإسفنج في صناعة الأفرشة الحديثة. ويُصنع من خيوط الصوف الملونة، ويطغى عليه اللّون الأصفر والأزرق والأحمر والبنّي، وتُستخدم هذه الخيوط بعد أن تقوم النساء بغزلها يدوياً، ثم تُصبغ بالأصباغ الطبيعية الجميلة. كانت (الغليجة) وما تزال تُستخدم كجهاز للعروس في تلك المناطق الريفية، إذ كانت تمثل جزءاً مُهماً منه، وله أهمية كبيرة وخاصة في بادية السماوة إذ يعتمد أهلها عليه. وهناك نوع آخر من البُسط يسمى (المَدّة) التي يبلغ طولها مترين، وعرضها متراً واحداً وهي تصنع أيضاً من خيوط الصوف، وتفننت الأيدي الماهرة للمرأة السماوية فأخرجت لنا ما يُسمى (الأُزر السماويّ) الذي هو عبارة عن لحاف يتغطى به النائم يُصنع من خيوط الصوف، ويكثر الطلب عليه من قبل التجّار، واشتهرت هذه الصناعة في سبعينات القرن الماضي، وأخذ التجّار بتصديرها إلى دول آوروبا والدول الأُخر، إذ يعدّ الأُزر السماويّ أفضل أنواع الأُزر العراقية، وازدهرت تجّارته بشكل كبير؛ لجودته وكيفية عمله، فبعد أن يُغزل الصوف ليكون خيوطاً يُعمل على شكل لفافات تُصبغ بصبغات متعدّدة، وعادةَ ما يكون اللّون الأحمر هو الطاغي، وبعده اللّون الأزرق والأصفر، إذ تقوم المرأة الحائكة له بشراء قطعة قماش من الحائك محاكة من الصوف يصنعها الحائك بالآلة اليدوية وتكملها هي بالإبرة الطويلة المخصصة لهذا الغرض، فتخرج لنا قطعة فنية تبهر الناظرين لتميّز المرأة العراقية التي كانت وما تزال تصنع المستحيل، وتبقى (الغليجة والأزر) من الفلكلور الذي تميزت به المرأة السماوية. أمّا اليوم فقد اندثرت هذه الحِرفة، أو تكاد تنعدم بسبب التطور التكنولوجي الحاصل، فالعراق بلد الخيرات والحضارات والفنون الذي أخذت عنه جميع الحضارات، تميّز عن غيره رجالاً ونساءً بالإبداع والتألق.