رياض الزهراء العدد 225 مخطوط قرآني
رحلة المصحف الأزرق
تضم مكتبة متحف (The Metropolitan Museum Of Art) للفنون العديد من المخطوطات الإسلامية، من ضمنها مصاحف كريمة تعود لحقب زمنية مختلفة، من أشهرها (المصحف الأزرق) الذي يتكون من (600) صفحة تقريبا، لكن لم يتبق منه اليوم سوى (100) صفحة معروفة، ويحتوي على آيات من القرآن الكريم، مكتوبة بترتيب الآيات المعروف. وتقدمه مكتبة (The Metropolitan Museum Of Art) بهذا التعريف: بلد المتحف: الولايات المتحدة ـ نيويورك. تاريخ القطعة: القرن الثالث أو الرابع الهجري ـ النصف الثاني من القرن التاسع أو منتصف القرن العاشر الميلادي. الرقم المتحفي للقطعة: 2004.88. مواد صنع القطعة: الذهب، الفضة، صبغة البرشمان، صبغة النيلة. أبعاد القطعة: الارتفاع: (30.4 سم) العرض: (40.2 سم)(1). وتوجد نظريات مختلفة بشأن مكان كتابة المصحف الأزرق، منها: أولا: (تونس)، إذ يعتقد الكثيرون أن المصحف كتب في مدينة (القيروان) التي كانت مركزا ثقافيا ودينيا مهما في عهد دولة (الفاطميين)، وهذا الرأي مدعوم ببقاء معظم أوراق المصحف في (القيروان) حتى القرن العشرين. ثانيا: (الأندلس)، نظرا لتشابه (المصحف الأزرق) ببعض المخطوطات الأخرى من الأندلس، وهناك نظرية أخرى تشير إلى أن المصحف كتب في (العراق) أو (إيران) في النصف الثاني من القرن التاسع، أو منتصف القرن العاشر الميلادي، وذلك بسبب تشابه تصميمه مع بعض المخطوطات المبكرة في تلك الحقبة، ويدعم هذه النظرية وجود ختم جمركي فارسي على إحدى صفحاته، ولا توجد معلومات مؤكدة عن الشخص أو المؤسسة التي رعت كتابة هذا المصحف، لكن يعتقد أنه كان مشروعا ملكيا أو دينيا كبيرا نظرا لتكلفة المواد المستخدمة: (الرق، الصبغة النيلية، الحبر الذهبي)(2). وتتمثل الأهمية الفنية والثقافية للمصحف الأزرق بكونه أنموذجا رائدا للفن الإسلامي في العصور الوسطى، مما يعكس الإبداع في استخدام المواد والألوان لإبراز جمال النص القرآني. أما عن تاريخ تشتت أوراقه، فقد بقي المصحف الأزرق في (القيروان) بتونس لعدة قرون، حتى يعتقد أنه كان موجودا هناك بحلول القرن الثالث عشر الميلادي وخلال الحكم العثماني، وبدأت أوراق المصحف في التشتت بطرق غامضة، إذ بيعت ونقلت العديد من صفحاته إلى مجموعات خاصة تهتم بشراء المخطوطات الإسلامية، ومتاحف حول العالم، وبقيت معظم أوراق (المصحف الأزرق) في (القيروان) حتى خمسينيات القرن العشرين، لكن اليوم تتوزع صفحاته بين عدة متاحف ومكتبات عالمية منها: 1 ـ متحف (الفن الإسلامي) في الدوحة ـ قطر. 2 ـ متحف (The Metropolitan Museum Of Art) في نيويورك ـ الولايات المتحدة الأمريكية. 3 ـ متحف (الآغا خان) في تورونتو ـ كندا. 4 ـ متحف الفنون في دنفر ـ في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يصنفه في ضمن الفن الآسيوي مع الإشارة إلى أنه قد يكون من شمال إفريقيا(3). وتواجه عملية الحفاظ على (المصحف الأزرق) تحديات كبيرة بسبب صعوبة الحفاظ على الرق من التلف بسبب العوامل البيئية، فضلا عن صعوبة جمع صفحاته المشتتة في أكثر من متحف موزعة بين القارات المختلفة من الكرة الأرضية، لكنه يبقى مصدرا مهما للدراسين والمهتمين بمجال المخطوطات الإسلامية وتاريخها، وما فيها من زخارف وأساليب خط تشير إلى تأثرها بظروف المكان والزمان التي أنتجت أوراقها تقديسا وتمجيدا لكلمة الله تعالى التي أراد الخطاط المسلم أنْ يضع فيها كل طاقة الجمال والإيمان التي تثبت هويته وانتسابه إليها. في رحلة هذا المصحف الشريف عبر الزمن والقارات التي لم يكن الإسلام قد انتشر فيها بعد درس قيم يذكرنا بقوله تعالى: (إنا نحْن نزلْنا الذكْر وإنا له لحافظون) (الحجر:9). ........................... (1) صفحة من المصحف الأزرق ، The Metropolitan Museum of Art، عبر الرابط: https://www-metmuseum-org.translate.goog/art/collection/search/454662?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=tc. (2) فهرس مجموعة المخطوطات الفارسية، بما في ذلك أيضا بعض المخطوطات التركية والعربية في متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك: ص171- 177، وينظر أيضا: روائع من قسم الفن الإسلامي في متحف متروبولتيان للفنون: ص25. (3) فهرس مجموعة المخطوطات الفارسية، بما في ذلك أيضا بعض المخطوطات التركية والعربية في متحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك: ص171- 177.