بَضعَةُ المُختَارِ ومِحنَةُ الأَيّامِ

وفاء عمر عاشور
عدد المشاهدات : 215

بأنين وحرقة فؤاد نستذكر مصاب سيدة النساء، مَن مثل فاطمة (عليها السلام) على وجه الأرض؟ لها أبٌ كأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إنها الزهراء بَضعة المختار، مَن آذاها فقد آذى رسول الله، إنه قول المصطفى، إنها آية المودة في القربى والكوثر والمطهّرة من الرجس وسورة هل أتى، إنها (نساءنا) في آية المباهلة التي أرغمت نصارى نجران على الانسحاب بنور وجه أبيها وبعلها ونفسها وبنيها، وهي أمّ أبيها، من أين أبدأ مولاتي وأيّ كلمات أسطر في الحديث عنكِ، يعجز البيان عن ذكر فضائلكِ وشمائلك! وأمّا عن مصيبة استشهادها، فأقف حائرة من معاداة القوم لها، وهي الحوراء الإنسية التي إذا اشتاق الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الجنة ضمّها وشمّها. وقد جاهد الرسول (صلى الله عليه وآله) في بيان فضلها، وكأن القوم لم يسمعوا ويعوا ماذا قال الرسول (صلى الله عليه وآله) في ذكرها، فجرّعوها بعد استشهاد والدها غصصاً من الجراح والآلام، واقتحموا بيتها وعصروها بين الحائط والباب، وأنبتوا المسمار في صدرها، واسقطوا جنينها؛ لكي ينتزعوا البيعة، ولم يراعوا قرابتها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكتفوا بذلك فحرموها فدكاً، وغصبوا حقّها الذي نحله لها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته، وطردوا وكيلها واعتبروا فدكاً فيئاً للمسلمين، فلما احتجّت عليهم طالبوها بشهود، والغريب أن القاعدة الفقهية تقول (البينة على المدعي واليمين على مَن ادّعى عليه). ولكنهم ضربوا هذه القاعدة عرض الحائط، وجاءت الزهراء (عليها السلام) بمَن يشهد لها، وهم: أمّ أيمن زوجة النبيّ الأكرم وكانت من أهل الجنة بحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) معروف بين المسلمين، وأسماء بنت عميس التي دعا النبيّ لها ولذريتها، والإمام علي (عليه السلام) وابناها الحسن والحسين اللّذين أذهب الله عنهما الرجس بآية التطهير، والعجيب أن شهادة هذه الصفوة لم تُقبل لدى القوم، ولا أعتقد أن هناك أصدق من هذه الشهادة في التاريخ ولمّا مُنِعَت عن فدك طالبت بإرثها باعتبارها ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فمنعوها الإرث محتجين بحديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"(1) والغريب أن هذا الحديث لم يسمعه إلا مَن نطق به، فاحتجت بقولها: "... أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي؟! (لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)/ (مريم:27)"(2) واستشهدت بآية (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ)/ (النمل:16) ولكن القوم أبوا إلا أن يطعنوا الزهراء جراحاً تلو الجراح، ولم يكتفوا بذلك فمنعوها حتى من البكاء على أبيها، فبنى لها الإمام علي (عليه السلام) بيت الأحزان، وكانت تخرج تبكي على أبيها، وعلى الرغم من أن المدة التي عاشتها الزهراء بعد أبيها قليلة إلا أنها كانت مأساوية بكلّ أبعادها. ................................... (1) مستدرك الوسائل: ج2، ص334. (2) فاطمة الزهراء (عليها السلام) من المهد إلى اللحد: ص302.