مُدرِكُ الثَّأر
وُلد المختار في أول عام للهجرة النبوية الشريفة، والده هو أبو عبيد بن مسعود الثقفي ومن أبرز المجاهدين في سبيل نشر قواعد الإسلام وإرسائها، إذ كان قائداً من قواد الجيوش الإسلامية، وقد مات شهيداً، وأمّه دومة بنت عمرو بن وهب، وكانت من ربّات الفصاحة والبلاغة العربية والرأي والعقل. ثار المختار بن أبي عبيدة الثقفي عام (66هـ) بالكوفة وكان خروجه في الرابع عشر من شهر ربيع الثاني بعد خمس سنوات من واقعة كربلاء، وبعد سنة من ثورة التوابين، كان هدف ثورته الثأر لدم الحسين (عليه السلام)، والانتقام من قتلته ومن جميع المجرمين المشاركين في تلك المأساة، وقد كانت ثورته وانتقامه سبباً لارتياح الأئمة. فقد رُوي أنه دخلت جماعة على أبي جعفر الباقر (عليه السلام)وفيهم عبد الله بن شريك، قال: فقعدت بين يديه إذ دخل عليهم شيخ من أهل الكوفة، فتناول يده ليقبلها فمنعه، ثم قال: "مَن أنت؟" قال: أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان متباعداً منه (عليه السلام) فمدّ يده فأدناه حتى كاد يُقعده في حجره بعد منعه يده، فقال: أصلحك الله، إنّ الناس قد أكثروا في أبي، والقول والله قولك، قال: "وأيّ شيء يقولون؟" قال: يقولون: كذّاب، ولا تأمرني بشيء إلا قبلته، فقال: "سبحان الله، أخبرني أبي أنّ مهر أمّي ممّا بعث به المختار إليه، أو لم يبنِ دورنا، وقتل قاتلنا، وطلب بثأرنا، فرحم الله أباك - وكرّرها ثلاثاً - ما ترك لنا حقاً عند أحد إلّا طلبه".(1) خرج المختار للأخذ بالثأر للإمام الحسين (عليه السلام) في 14 شهر ربيع الأول عام 66هـ ودخل الكوفة وأخرج منها عبد الله بن مطيع والي ابن الزبير عليها، بدأ ثورته بشعار "يا منصور أَمِتْ" و"يا لثارات الحسين"، ووقعت اشتباكات عنيفة في أزقّة وأسواق الكوفة، قتل فيها جماعة واستسلم آخرون، ودخل المختار القصر، وخطب بالناس في اليوم التالي، وبايعه أشراف الكوفة، وبعد أن استتبّ له الأمر أخذ يتتبّع قتلة الحسين (عليه السلام) فيقبض عليهم ويقتلهم، وبعث السرايا إلى الأطراف للاستيلاء عليها والقبض على قتلة الحسين (عليه السلام) وقتلهم، واستمرت هذه الأعمال مدة من الزمن وقع خلالها قتال شديد مع أنصار بني أميّة، وقد نجح المختار في القبض على عمر بن سعد، وابن زياد، وخولي، وسنان، وحرملة، وحكيم بن طفيل، ومنقذ بن مرّة، وزيد بن ورقاء، وزياد بن مالك، ومالك بن بشر، وعبد الله بن أسيّد، وعمرو بن الحجّاج وكثير ممّن تلطّخت أيديهم بدماء شهداء كربلاء، وقتلهم وأحرق أجسادهم، أو رماها إلى الكلاب. وأرسل المختار رأس ابن زياد إلى محمد بن الحنفية (عليه السلام) في المدينة، وبدوره أرسله إلى الإمام السجاد (عليه السلام)، فدخل عليه وهو يتغدّى فسجد شكراً لله تعالى وقال: "الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوّي وجزى الله المختار خيراً"(2)، حكم المختار ثمانية عشر شهراً حتى 14شهر رمضان عام 67هـ واستشهد عن سبع وستين سنة عند مقاتلته لجيش ابن الزبير. ........................... (1) عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال (الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)): ص651. (2) معالي السبطين: ج2، ص26.