رياض الزهراء العدد 77 كيف تكونين مثلها؟
"هِيَ أُمّي بَعدَ أُمّي"
حَزِن (عليه السلام) حين وفاتها فلم يجد منها إلّا المعلمة الطيبة، فتربى في حجرها ما يقارب العشرين عاماً، فكانت تفضّله على أولادها، وصدّقته وصدّقت رسالته، فساندته وبايعته منذ البداية، فظلّ يستذكر صفاتها الجميلة من مخافة الله (عزّ وجل) ومن عفة وطهارة واجتنابها للمنكر، ومن حبّه الشديد وبرّه لها كفّنها بقميصه واضطجع في لحدها ليخفف عنها ضغطة القبر، وقال فيها: "رحمك الله يا أميّ، كنتِ أميّ بعد أميّ، تجوعين وتُشبعيني، وتعرين وتَكسيني، وتمنعين نفسكِ طيب الطعام وتُطعميني، تُريدين بذلك وجه الله والآخرة".(1) هي زوجة عمّه أبي طالب وهي من السابقات في الإسلام، تجلّت جميع الصفات المقدّسة لفاطمة بنت أسد، فهي أم باب مدينة العلم وأسد الله الغالب وسيف الإسلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي أنجبته في الكعبة الشريفة، فحينما جاءها المخاض دعت الله تعالى بكلمات مؤثرة قائلة: (أي ربّي، إني مؤمنه بك وبما جاء بهِ من عندك الرسل، وبكلّ نبيّ من أنبيائك وبكلّ كتاب أنزلته، وأني مصدقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل، وأنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت ومَن بناه، وبهذا المولود الذي في أحشائي، والذي يكلمني ويؤنسني بحديثه، وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك لما يسّرت عليّ ولادتي)(2)، فانشقّ جدار الكعبة فدخلت وولدت وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورأت وليدها وتقوى الله بارزة في ملامحه ومكثت في الكعبة ثلاثة أيام وهي تأكل من ثمار الجنة، فخرجت وهي تحمل الإمام علياً (عليه السلام)لتفخر بهِ ليكون ولي الله وأخاً لرسوله (صلى الله عليه وآله) وليكمل رسالته السماوية. لم تكن تربية السيّدة فاطمة ابن أسد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عبثاً، بل هي مشيئة الله له، فحين وفاة جدّه عبد المطلب (عليه السلام) ربّاه بعد ذلك عمّه أبو طالب لترعاه زوجته السيدة فاطمة بنت أسد، فكانت كما قال فيها: "هي أمّي بعد أمّي". ................................ (1) أعلام الهداية، ج3، ص 45. (2) فخر الفواطم بنت أسد، علي سيد هاشم، ص 47.