التّائبُ الحَافي

ضمياء عبد الحسين/ كلية الطب
عدد المشاهدات : 189

هو جدول رقراق عذب نبع من منهل الصبر والكظم، كانت كلمة واحدة كفيلة بأن تغيّر مسار رجل تغييراً جذرياً، فلله درّ تلك الكلمة التي تردّد صداها في أعماق التاريخ، وحفرت بأظفارها قلباً أشد من الحجارة قساوة. هي كلمة خرجت من شفاه العصمة الشريفة، واستدلت النفس معناها، ووجدت في أرضها التربة الصالحة والماء الطاهر لريّها فأنبتت توبة جعلت صاحبها حافياً، فلُقّب بالحافي؛ ليكون مفخرة لكلّ تائب عابد، وليعلو الحفاء رأسه كإكليل توّج رؤوس الملوك والسلاطين. كانت أزقة بغداد تشهد على جلسات السمر والغناء التي كان يقيمها الغافلون، وكانت إحدى هذه الجلسات تُقام في دار بشر، وسبب توبته أنه اجتاز مولانا الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) على داره ببغداد فسمع الملاهي وأصوات الغناء والقصب تخرج من تلك الدار، فخرجت جارية وبيدها قمامة، فرمت بها في الدرب، فقال(عليه السلام) لها: "يا جارية صاحب هذه الدار حر أم عبد؟" فقالت: بل حر، فقال: "صدقت لو كان عبداً خاف من مولاه" فلمّا دخلت قال مولاها وهو على مائدة السكر: ما أبطأكِ؟ فقالت: حدثني رجل بكذا وكذا، فخرج حافياً حتى لقي مولانا الإمام الكاظم (عليه السلام)، فتاب على يده واعتذر وبكى لديه استحياء من عمله.(1) بهذه الكلمات البسيطة بدأت مسيرة الحفاء، فها هو بشر يركض خلف الإمام حافياً؛ لطلب المغفرة والسماح والعودة إلى حظيرة القدس الإلهية والتمرغ على أعتاب العشق الإلهي العرفاني الذي عُرف به بشر بعد ذاك، وقد عُرف بالصلاح، والزهد، والورع، والتصوف، وحُكي عن إبراهيم الحربي قال: (ما أخرجتْ بغداد أتمّ عقلاً ولا أحفظ لساناً من بشر بن الحرث، في كلّ شعرة منه عقلٌ).(2) توفي بشر في العشرين من شهر ربيع الأول سنة (227)هـ. ................................ (1) الكنى والألقاب، ج67، ص3. (2) المصدر نفسه.