حَدِيثُ المَنزِلَة

رجاء علي مهدي/ التوجيه الديني النسوي
عدد المشاهدات : 201

من المعروف لدى الجميع أنّ الأمّة الإسلاميّة ما اختلفت على مسألة كاختلافها في مسألة الإمامة، وهي خلافة النبيّ (صلى الله عليه وآله) في قيادة الأمة، فاعتقدت فرقة الإماميّة بأنها نصّ وتعيين من قِبل الله تعالى؛ لأهميّة هذا المنصب، واعتقد الآخرون خلاف ذلك، فذهبوا إلى أنها شورى، وإلى أنّ من تقدّم على الإمام علي (عليه السلام) هو أفضل منه، وإننا إذا طالعنا كتب الحديث بخاصة مصادر أهل السنة فإننا نجد مجموعة أحاديث للنبيّ (صلى الله عليه وآله) في فضل الإمام علي (عليه السلام) ومنزلته، ومن الأحاديث التي تُثبت أفضليته على غيره حديث يُسمى بحديث المنزلة، وهو من الأحاديث الصحيحة السند ورد في كتب الشيعة والسنة، وقد نقله الكثير من المفسرين الكبار، في تفسير ذيل الآية (142) من سورة الأعراف التي تتحدث عن ذهاب موسى (عليه السلام) لموعد له مع الله تبارك وتعالى لمدة أربعين ليلة، وخلافة هارون له في قومه. والحديث هو: تحرك النبيّ (صلى الله عليه وآله) نحو تبوك - وتقع في شمال جزيرة العرب - حيث كان إمبراطور الروم الشرقيّة قد أعد جيشاً عظيماً ليغزو الحجاز، ومكّة، والمدينة قبل أن تصدّر الثورة الإسلاميّة برامجها الإنسانيّة الخاصّة والمتحرّرة إلى مناطقها والقضاء عليها في مهدها، عزم النبيّ (صلى الله عليه وآله) على التوجه إلى تبوك مع جيش عظيم، وخلّف عليّاً مكانه على المدينة، فقال الإمام عليّ (عليه السلام): “أتتركني مع الأطفال والنساء؟ ولا تسمح لي بالذهاب معك إلى ميدان الجهاد وفيه الفخر الكبير؟ فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا إنه لا نبيّ بعدي؟” (1). إنّ هذه العبارة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) تُثبت للإمام عليّ (عليه السلام) منزلة خاصّة وأفضليّة على باقي الصحابة، وتُعدّ منقبة للأمام عليّ (عليه السلام) فإنّ استخلافه على المدينة المنورة من قِبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وقت غيابه (صلى الله عليه وآله) وهي كانت آنذاك مركز الدولة الإسلاميّة ومنصب الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها هو منصب رئيس تلك الدولة وحاكمها، أراد النبيّ (صلى الله عليه وآله) منه إلفات المسلمين إلى أنّ عليّاً (عليه السلام) هو الأحق بقيادة الأمة في حال عدم وجودي، فهو منّي بمنزلة هارون من موسى. إنّ لهذا الحديث مصدرين من القوّة، فهو قويّ السند وصحيح، ولا يستطيع أحد أنْ يشك بصحّة سنده، والثاني إنّ ذلك مضمون قرآني، ففي سورة طه من آية (28-32) يتبيّن ما هي المناصب التي كانت ثابتة لهارون (عليه السلام) (يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)، فهارون كان وزيراً بجعل إلهي، وكان من أهله (عليه السلام)، وكان أخاه، وكان يشدّ به أزره - أي الذراع الأيمن - وشريك في الأمر، أي في تبليغ الرسالة لبني إسرائيل. إذن فإننا نستنتج من هذا كلّه أن الإمام عليّاً (عليه السلام) كان أفضل الأمّة بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله)؛ لأنّ هارون كان يتمتع بهذه المكانة، وأنّ عليّاً (عليه السلام) وزير النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومعاونه الخاص، وشريك برنامجه في القيادة؛ لأن القرآن الكريم أثبت هذه المناصب لهارون (عليه السلام)، ومع وجوده لم يكن شخص آخر يتمكن من أن يتصدّى لهذه المكانة كما كانت هذه المكانة لهارون من موسى. والجدير بالذكر أنّ هذا الحديث لم يقله النبيّ (صلى الله عليه وآله) في قصّة غزوة تبوك فقط، وإنما ذكره في سبعة مواضع ممّا يدلّ على عموميّة مفهوم العبارة، فقد ذكره في يوم المؤاخاة الأولى بمكّة، وفي يوم المؤاخاة الثانية في المدينة، وفي اليوم الذي أمر (صلى الله عليه وآله) أن تغلق الأبواب المفتوحة على المسجد النبويّ ويبقى باب بيت الإمام عليّ (عليه السلام) مفتوحاً فقط، وفي ثلاثة مواضع أخرى غير غزوة تبوك، وهي مذكورة بالسند في كتب أهل السنة، بحيث لا يبقى أيّ مجال للشك أو الترديد في عموميّة مفهوم حديث المنزلة. .............................. (1) أصول عقائد الشباب: ص190.