رياض الزهراء العدد 94 شمس خلف السحاب
الرَّايَةُ المُنتَظَرةُ
منذ أن رُفعت راية الإسلام خفاقة في جزيرة العرب، وجاء النداء مرتفعاً مزمجراً بشهادة الإسلام الخالدة في: (أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول الله)، حتى ألقم الباطل حجراً أصمَّ وتنحَّ الشر جانباً مولولاً. وانزاحت عهود من الجهل والإشراك والظلم، واندثرت حقباً من الرئاسة المقيتة والوجاهة الكاذبة، كلّ ذلك وأكثر كان حصيلة جهد نبيّ الله الأكرم وخاتم الأنبياء والمرسلين المصطفى محمّد (صلى الله عليه وآله) وجهاده. وبهذا سار أهل بيته (عليهم السلام) على ذلك الدرب النيّر لا تأخذهم في دين الله لومة لائم، لترتفع راية الحقّ وترفرف خفاقة كلّما تعرّض دين الله تعالى إلى الانحراف والتضليل، فكان لأمير المؤمنين وسيّد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقفة مشرفه في دنيا الإسلام لمّا أسند إليه نبيّنا الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) تلك الراية في يوم خيبر العظيم، فلقد اختاره من بين كلّ المسلمين ليقود القوم تحت لواء الإيمان الحق، وعهد إليه حمل راية الإسلام على الرغم من رمد عينيه بعدما عالجها رسول الله بريقه الشريف حتى برئت، ولقد جندل في خيبر صناديد العرب، وحارب ذؤبانهم. روى المحب الطبري في الرياض النضرة عن جابر بن سمرة أنهم قالوا: يا رسول الله مَن يحمل رايتك يوم القيامة؟ قال: “مَن عسى أن يحملها يوم القيامة، إلّا من كان يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب”.(1) وعلى هذا قد توالى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في التضحيات والجهاد ورفع راية الحق كلّما شاب الدين شائبة أو نزلت به نازلة، فلقد بلغوا أقصى مراتب البذل والعطاء في سبيل نصرة دين الله تعالى، وبقاء تلك الراية خفاقة ببذل الغالي والنفيس. وبهذه المسيرة الجهادية المستمرة من لدن أفراد البيت النبوي الشريف ظل الإسلام زاخراً بمبادئه الفاضلة منتصراً على الرغم من عقود الظلم والتضييق والإقصاء، وظل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يجاهدون ويتحدّون طواغيت عصورهم بروح الإيمان الحقيقيّة محافظين على تلك الراية حتى ظهور راية المخلّص المغوار، ويا لها من راية! إنها راية الأمل والحلم والغاية، راية العدل والحق والغلبة، راية المظلومين والمنتظرين التي سترتفع من جديد، لتكمل النهج نفسه الذي ابتدأه النبيّ الأكرم وابن عمّه وأخوه الإمام عليّ (صلوات الله عليهم أجمعين). سترتفع حتماً في وجه مخالفيه وشانئيه بعد حرب ضروس بين قوى الخير والفضيلة وعصابات الشر والرذيلة، لتكفكف أخيراً القلوب الموجوعة أحزانها المريرة بظهور مهديّ الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ولتنتصب الراية المنتظرة تناطح السحاب علواً وارتقاءً حتى قيام يوم الدين، جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لأبي بصير عندما سأله عن راية الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف): “يا أبا محمد وما هي والله قطن ولا كتان ولا قزّ ولا حرير، قلت: فمن أيّ شيء هي؟ قال: من ورق الجنة، نشرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر، ثم لفّها ودفعها إلى عليّ (عليه السلام)، فلم تزل عند عليّ (عليه السلام) حتى إذا كان يوم البصرة نشرها أمير المؤمنين (عليه السلام) ففتح الله عليه، ثم لفّها وهي عندنا هناك، لا ينشرها أحد حتى يقوم القائم، فإذا هو قام نشرها فلم يبقَ أحد في المشرق والمغرب إلّا لعنها، ويسير الرعب قدامها شهراً، ووراءها شهراً وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً..”.(2) ................................. (1) الرياض النضرة: ج2، ص267. (2) معجم أحاديث المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ج3، ص387.